إيران تمر بسم كاريكاتوي لتمثال الحرية في طهران.(أرشيف)
إيران تمر بسم كاريكاتوي لتمثال الحرية في طهران.(أرشيف)
الجمعة 9 نوفمبر 2018 / 13:03

عقوبات ترامب.. هدف أبعد من النووي الإيراني

رأى الباحث هاري كازانيس أنه في الوقت الذي تشن فيه إدارة ترامب حملة ضغط قصوى لتطبيق "أشد العقوبات على الإطلاق" ضد إيران، فإن واشنطن تواجه إشكالية قديمة، لن تنتهي في أي وقت قريب بل ومن المؤكد أنها ستزداد سوءاً مع مرور الوقت، وهي الانتشار النووي.

الولايات المتحدة (منذ أيام فرانكلين روزفلت وحتى الرئيس ترامب) تسعى إلى تطوير سياسات تضمن عدم تطوير الخبرة النووية بسهولة أو بيعها لأطراف ربما تهدد مصالحها

ويشير كازانيس، في مقال بصحيفة "ذا هيل" الأمريكية، إلى أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يبدو حريصاً على معالجة هذه الإشكالية؛ وخلال فترة حملته الرئاسية للعام 2016، وصف ترامب الانتشار النووي باعتباره أحد أهم مخاوفه بشأن الأمن القومي الأمريكي، وكان من الفطنة أن يشعر بالقلق إزاء هذا الأمر.

النادي النووي
ويوضح الباحث أنه منذ فجرت الولايات المتحدة قنابل ذرية في الأيام الأخيرة للحرب العالمية الثانية، أدرك القادة في واشنطن أن مثل هذا النوع من المعرفة والخبرة سوف ينتشر إلى حلفاء أمريكا وأعدائها، ولكن وقوع مثل هذه الأسلحة في الأيدي الخطأ من شأنه أن يقود إلى فقدان ملايين الأرواح، ومن ثم فإن الولايات المتحدة (منذ أيام فرانكلين روزفلت وحتى الرئيس ترامب) تسعى إلى تطوير سياسات تضمن عدم تطوير الخبرة النووية بسهولة أو بيعها لأطراف ربما تهدد مصالحها.

ويعتبر مقال الصحيفة الأمريكية أن العقوبات الأمريكية ضد إيران تشكل، في واقع الأمر، جزءاً من سلسلة طويلة من المحاولات الرامية إلى الحد من الانضمام إلى عضوية النادي النووي. ولسوء الحظ أن تاريخ الولايات المتحدة في التعامل مع هذه القضايا لا يبدو كافيا في أفضل الأحوال؛ حيث إن معظم أعداء الولايات المتحدة الاستراتيجيين، بما في ذلك روسيا والصين، قد طوروا فعلاً أسلحة نووية على مدار العقود القليلة الماضية رغم الجهود التي بذلتها واشنطن، وحتى الحلفاء الأمريكيين فقد حاولوا أيضاً اللحاق بالسباق النووي، وأيدت الولايات المتحدة بعض الحلفاء في سعيهم النووي مثل بريطانيا.

انتشار الأسلحة النووية
ويرى الباحث أن مثل هذه الإشكالية (إذا كانت موجودة على الإطلاق) لا يمكن حلها بسهولة، ويتمثل التحدي الأساسي الذي يجب حله في كيفية إيقاف الانتشار الطبيعي للتكنولوجيا بمرور الوقت، وهو ما يحدث بسرعة البرق بفضل عصر الانترنت، ومن الواضح أن الأسلحة النووية والقذائف بعيدة المدى تعود إلى عقود سابقة، ولكن العلم الأساسي لمثل هذه الأسلحة معروف جيداً، وقد تم تحسين التكنولوجيا والمواد والخبرات اللازمة لتطوير سلاح نووي خام منذ أوائل أربعينيات القرن العشرين، أما تكنولوجيا الصواريخ بعيدة المدى فتعود إلى خمسينات القرن العشرين.

ويقول الباحث إن "مثل هذه الأسلحة باتت قديمة، ولم تعد سراً غامضاً قاصراً على دول العالم الأكثر ثراء وتقدماً من الناحية التكنولوجية. ويعني توافر القدرة النووية عدم الحاجة إلى الرؤوس الحربية النووية الأكثر تطوراً أو الصواريخ، وبات ردع أكبر القوى الكبرى أمراً ممكناً. وحتى دول العالم الثالث توافرت لديها قدرة على تطوير مثل هذه الأسلحة".

ويضيف الباحث أن أفضل مثال على ذلك يتجسد في كوريا الشمالية التي يبلغ حجم اقتصادها اقتصاد ولاية فيرمونت. وعلى الرغم من أنها عاجزة عن إطعام سكانها من دون مساعدات دولية، فإن كوريا الشمالية تمكنت من تطوير قرابة 65 سلاحاً وصاروخاً نووياً، وتلك الأسلحة قادرة من الناحية النظرية على ضرب الولايات المتحدة. وبعد سنوات من العقوبات الصارمة، قام نظام كيم ببناء ترسانة ذرية متطورة رغم الجهود التي بذلتها واشنطن، والأدهى أن كوريا الشمالية عمدت إلى بيع صواريخها وخبرتها النووية حول العالم، بما في ذلك إيران وسوريا.

إيران على خطى كوريا الشمالية
ويحذر الباحث من أن إيران يمكن أن تحذو حذو كوريا الشمالية؛ وعلى الرغم من انكار إيران رغبتها في الحصول على أسلحة نووية، فإن طهران قد سعت فعلاً للحصول على مثل هذه القدرة في الماضي، ولديها صناعة نووية محلية بالإضافة إلى قدرة متنامية لتطوير صواريخ متقدمة قادرة على ضرب إسرائيل وأجزاء من أوروبا.

وتهدف واشنطن من فرض العقوبات الصارمة ضد طهران إلى تدمير الاقتصاد الإيراني والضغط عليه حتى يتم التخلي عن أي تطلعات نووية وقدرات صاروخية. ولكن إيران درست التاريخ جيداً، بحسب الباحث، وتدرك أن أي دولة خاضت الولايات المتحدة الحرب ضدها أو فرضت عليها تغيير النظام خلال العقدين الماضيين أو أكثر، كانت تفتقر إلى الأسلحة النووية. وعلى خطى كوريا الشمالية، ربما تختار إيران معاناة العقوبات؛ لأنها تعلم أن امتلاكها للقدرة النووية من شأنه أن يمنع الولايات المتحدة من الهجوم عليها. والواقع أن إيران يمكن أن تتطلع لتدارك العقوبات الأمريكية بمرور الوقت وإضعاف تأثيرها بالتعاون مع خصوم الولايات المتحدة مثل روسيا والصين.

عقوبات أكثر صرامة
ويقول المقال: "لاشك في أن ما سبق يمكن أن يدفع الولايات المتحدة إلى مضاعفة الخناق على إيران وفرض عقوبات أكثر صرامة، أو حتى التفكير في شن عمل عسكري ضد إيران؛ وبخاصة إذا كانت الأخيرة على وشك الحصول على سلاح نووي فعال".

ويختتم الباحث بأنه نظراً إلى المخاطر وحقيقة أن التكنولوجيا النووية والصواريخ ستكون بالتأكيد أكثر سهولة في تطويرها ونشرها، فإنه على صانعي السياسة الأمريكيين التمعن في كلفة وفوائد محاولة احتواء مثل هذه المعرفة، وبخاصة لأنه لا ينبغي أن يحصل أعداء الولايات المتحدة أو التنظيمات الإرهابية على هذه الأسلحة النووية، ولكن في الوقت نفسه لابد من إثارة بعض الجدل حول مدى استعداد واشنطن لوقف انتشار هذه الأسلحة، والمخاطر التي يمكن مواجهتها لتحقيق الأهداف المرجوة.