السبت 10 نوفمبر 2018 / 19:19

العشاء الأخير ليوسف القرضاوي

في الأسبوع الماضي تقدم يوسف القرضاوي ليتحدث في أثناء ما أسمي، الجلسة الافتتاحية للجمعية العمومية الخامسة للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ويبدو أنه قد "أوحي إليه" بأن يقول كلمة عن مقتل جمال خاشقجي رحمه الله، هذه القصة التي لم يبق أحد لم يُدل بدلوه فيها، فلا بأس إذاً أن يؤتي بيوسف القرضاوي إلى الديار التركية ليُكمل الناقص. المفاجأة المضحكة أن القرضاوي نسي اسم خاشقجي وانطلق يتحدث عن شفيق، حتى صحح له الجمهور ونبهوه أن أحمد شفيق غير جمال خاشقجي. هذا ما دعا بعض الإخوة إلى الاعتقاد بأن القرضاوي قد دخل طور الخرف واختلاط العقل وأن هذا لم يعذره أمام أرباب نعمته في الدوحة، فزجوا به في هذه المعركة، لا أعتقد أنه قد خرّف بعد وإن كانت أفكاره خرافية من الأساس، لكنه أشار إلى رغبته في التقاعد، وأشار إلى أن اللقاء المقبل سيشتمل على مراسيم تسليم الراية، بمعنى أن التنظيم سيبحث عن مفتٍ من داخل التنظيم يحل محل القرضاوي بحيث يذهب إلى جبل المقطم ليقسم في غرفة مظلمة على مصحف ومسدس بأن يخدم أغراض التنظيم ما بقيت فيه حياة. مؤتمرات الإخوان المسلمين ولقاءاتهم الدورية في دول العالم، لا تذكّر بشيء أكثر من تذكيرها بالمحافل الماسونية ولقاءات الماسون الدورية، وقد صرّح إمامهم حسن البنا ذات مرة بأنه شديد الإعجاب بكل التفاصيل الماسونية وبالقسم السري وبالتنظيم السري، وهو نفسه حسن البنا متهم بالانتماء إلى الماسونية، كعدد لا بأس به من رموز الإخوان المشهورين، والجماعتان يجمعهما أنهما كانتا عبر تاريخهما كله مسعر حرب في كل مكان ذهبتا إليه.

على كل حال، كل ما يقوله القرضاوي أكاذيب نُسجت في دُجّة الليل وأرسلت على عواهنها، وإن غلف كلامه بالدين والآيات، نحن أمام رجل دين انتهازي منحاز، فقد اعترف بأن كل معلوماته قد استفادها من الجهات الأمنية التركية، ثم أطلق في هذا اللقاء دعواته الحارة أن ينصر الله تركيا في هذه المعركة، وليس لنا أن نفكر كثيراً في جواب على هذا السؤال: ينصر تركيا على من؟! لم يُخفِ القرضاوي اسم المقصودين بهذه الدعوة ومن هم الذين يتمنى أن تنتصر تركيا عليهم، فقد شن هجوماً على العرب وعاب عليهم تخليهم عن الإسلام، ولم يفته أن يكون أكثر صراحة هذه المرة، فشن هجوماً على السعودية التي طالما دعته وأكرمته في مناسبات لا تُحصى. حسناً إذا كان العرب قد خرجوا من الإسلام والسعودية لم تعد تُعجب القرضاوي وجماعته، فمن هو المسلم الجيد؟

إنه "المجاهد الزاهد أردوغان" بحسب وصف القرضاوي، كذا قال حرفياً "المجاهد الزاهد"، ولا أدري كيف يمكن أن يوصف الرئيس التركي بالزهد وقد تابعنا كلنا منذ فترة قريبة عبر شاشات التلفزيون، افتتاح قصره الجديد الذي هو أكبر من القصر الملكي البريطاني باكنغهام بالاس في لندن، وأكبر كذلك من قصر الإليزيه في باريس، وأكبر من قصر فرساي الشهير في فرنسا بنحو 4 مرات، ومساحتــه تزيد 30 مرة على مساحة البيت الأبيض الأمريكي، ويتكون من 1000 غرفة فارهة وتتجاوز تكلفته 600 مليون دولار. أي زهد هذا الذي يتحدث عنه القرضاوي؟! لكن هكذا هم الإخوان، إن فتحت أذنيك وضيعت وقتك في الاستماع إليهم، فإنك لن تجد أي منطق فيما تسمع، بل سترى التناقض المضحك في كل جملة، وسترى غياب النزاهة في أجلى صوره، وستعرف لماذا يقيم نصفهم في القصور والنصف الثاني في السجون.

وصف القرضاوي أردوغان بأنه هو "من أسس أول بلدية إسلامية بحق" ولست أدري كيف يقال "بلدية إسلامية" مع استحضاري لكثير من المظاهر التي لا يمكن أن توصف بأنها إسلامية أو دينية بأي صورة، ولست أدري كيف يصح هذا الوصف على تركيا بحيث تُحرم منه بقية الدول العربية، ونحن نعرف نمط الحياة في تركيا ونعرف كل أسرارها، لكننا لا ندري كيف أصبحت تركيا رمز الطهر من دون كل بلاد العرب والمسلمين؟! ليس لهذا الانحياز الواضح الجائر من تفسير، إلا أن تركيا هي الدولة التي انحازت لهذا الحزب الإرهابي الفاشل، جماعة الإخوان وبما أنها انحازت إليهم وآوتهم فإنهم سيخلعون عليها من الألقاب ما لم يصرفوه لأصحاب الأنبياء ولا لحواريي الرسل. ومع هذا، فإنني أجزم أن اليوم الذي سيقلب فيه لهم الأتراك ظهر المجن، لم يعد بعيداً، وحينها ستبدأ رحلة الشتات من جديد.