مقاتلات روسية في قاعدة حميميم في سوريا (أرشيف)
مقاتلات روسية في قاعدة حميميم في سوريا (أرشيف)
الأحد 11 نوفمبر 2018 / 13:04

حرب سوريا...فرصة ذهبية للجيش الروسي

أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في أواخر العام الماضي، أن روسيا أنجزت مهمتها في سوريا وستبدأ سحب قواتها، ولكن يبدو أنها مضطرة للاحتفاظ بوجود عسكري في البلد الذي مزقته الحرب في المستقبل المنظور.

الابتكار التكتيكي الروسي كان محدوداً للغاية قبل تدخل موسكو في سوريا، الأمر الذي يتضح من خلال مقارنة أداء الطائرات التكتيكية في سوريا بالصراع الروسي الجورجي عام 2008

وبحسب تحليل لمجلة "ناشونال انترست" الأمريكية فإن الحرب السورية، وفرت فرصة ذهبية للجيش الروسي، إذ يمثل الصراع تجربة تعليمية قيمة لاختبار قدراته، ومن خلال التدخل العسكري في سوريا لم تتأقلم روسيا مع وجودها في سوريا فحسب، وإنما طورت أيضاً أسهماً كبيرة هناك.

مصالح روسيا
ويرى بول سوندرز، المدير التنفيذي لمركز "ناشونال انترست"، أن أهداف روسيا الاستراتيجية قبل التدخل في سوريا تمثلت في منع سقوط حكومة الرئيس السوري بشار الأسد، إلى جانب مكافحة الإرهاب بمحاربة الإرهابيين في سوريا وليس في روسيا، علاوةً على محاولة إجبار الولايات المتحدة على نوع من الحوار السياسي بعد عزل موسكو بسبب ضمها شبه جزيرة القرم، بيد أن ثمة مصالح إضافية جرى تطويرها من قبل الحكومة الروسية والجيش الروسي بمجرد التدخل في سوريا بشكل كبير، بما في ذلك تأمين الوجود العسكري الروسي المكثف.
  
لا مساعدات لنظام الأسد
ويؤكد ساندرز أن تحقيق نظام سياسي مستقر في سوريا سيكون صعباً للغاية بالنسبة إلى سوريا وروسيا وإيران، إذا لم تحصل على مساعدة مالية خارجية كبر لإعادة الإعمار، ومن غير المرجح أن تُقدم الحكومات الغربية على مساعدة نظام يقوده بشار الأسد، لذلك فإن الولايات المتحدة ربما يكون لها تأثير أكبر على مستقبل سوريا السياسي مما هو مفترض في كثير من الأحيان.

كما أن التعامل مع المقاتلين الأجانب المتبقين في سوريا سيكون تحدياً كبيراً آخر، لأن حكومات قليلة إن وجدت، ستوافق على قبول عودتهم إلى أوطانهم.

ثلاث حروب
ويصف الخبير العسكري مايكل كوفمان الحرب السورية بأنها انقسمت إلى ثلاث حروب، أولها حملة نظام الأسد لاستعادة السيطرة على الأراضي السورية، وثانيها الصراع الوجودي بين تركيا والأكراد، وثالثها حرب الاستنزاف المفتوحة بين إسرائيل، وإيران، وهي الأكثر خطورة على روسيا لأن دخول الأخيرة إلى الشرق الأوسط لم يكن من أجل هذه الحرب التي تنطوي على مخاطر كبرى، خاصةً أن أي تصعيد في الصراع بين إيران وإسرائيل من شأنه أن يجبر روسيا على إلغاء وعودها لأي من الطرفين أو كليهما معاً، ويُعرض موقفها للخطر بصفتها الوحيد الذي يتمتع بعلاقات جيدة مع إيران وإسرائيل.

الحرب السعيدة
واعتبر كوفمان أن الحرب في سوريا هي "الحرب السعيدة" بالنسبة إلى الجيش الروسي، فالصراع السوري بمثابة نقطة تحول رئيسي لروسيا والجيش الروسي الذي حصل على قدر كبير من الخبرة والابتكار.

وباتت سوريا ساحة للقوات الروسية لاكتساب الخبرة القتالية، وبالفعل اختُبر ثلثا الأصول الجوية التكتيكية الروسية في سوريا، واكتسب الضباط والجنود الروس دروساً قيمة في الحرب الحديثة، وطوروا أفكاراً جديدة لتطبيقها في النزاعات المستقبلية.

أوجه قصور الجيش الروسي
ويلفت كوفمان إلى أن الابتكار التكتيكي الروسي كان محدوداً للغاية قبل تدخل موسكو في سوريا، الأمر الذي يتضح بمقارنة أداء الطائرات التكتيكية في سوريا بالصراع الروسي الجورجي في2008، ولكن كوفمان حذر من أنه رغم إثبات روسيا قوتها العسكرية باعتبارها قوة عظمى، فإن جهودها العسكرية في سوريا لم تدخل في منافسة حقيقية إلى حد كبير.

وعلاوة على ذلك، لايزال أمام القوات المسلحة الروسية العديد من القضايا التنظيمية والتقنية التي يتعين عليها حلها، فعلى سبيل المثال يحتاج الجيش الروسي إلى ذخائر صغيرة، وذخائر ذات مدى أطول، ومدفعية أكثر دقة، وعلى موسكو أيضاً حل إشكالية التنافس الداخلي بين القوات العسكرية لتعزيز التماسك المشترك لقواتها في الحرب.

ويضيف كوفمان: "كشف التدخل العسكري الروسي في سوريا أوجه القصور هذه في الجيش الروسي، ومن ثم فإن الصراع هو بالفعل تجربة تعليمية قيمة، ولعل أحد الأسباب العديدة التي تجعل الجيش الروسي يرغب في البقاء بسوريا، أنه لا يمكنهم مقارنة أسلحته التكنولوجية مع نظيرتها الأمريكية في أي مكان آخر غير سوريا. أما في ما يتعلق بإعادة إعمار سوريا، فربما تتمكن سوريا من الحصول على مساعدات خارجية من ألمانيا، والاتحاد الأوروبي لإعادة الإعمار عبر التهديد بتدفق اللاجئين".

معضلة الهلال الشيعي
ويختتم تحليل المجلة الأمريكية بالإشارة إلى وجهة نظر الكولونيل المتقاعد روبرت هاميلتون والتي مفادها أن الأهداف المختلفة والمتضاربة أحياناً لشركاء روسيا في سوريا، تطرح تحديات لا يمكن حلها بسهولة، فعلى سبيل المثال من المشكوك فيه أن تتمكن روسيا من دعم رؤية إيران للهلال الشيعي الممتد من طهران إلى بيروت، دون إثارة صراع مع إسرائيل، وربما حتى مع الولايات المتحدة.

ويتمثل التحدي الرئيسي الذي يواجه روسيا في سوريا الآن، في كيفية تحويل هزيمة الخصوم العسكرية إلى الأهداف السياسية الحقيقية التي جعلت الحرب تستحق القتال في المقام الأول، وبالنظر إلى تجربة الولايات المتحدة في العراق، وأفغانستان فإنه لا خط مستقيماً بين النجاح العسكري والنتائج السياسية المرغوبة