يونس قنديل أمين عام منظمة "مؤمنون بلا حدود".(أرشيف)
يونس قنديل أمين عام منظمة "مؤمنون بلا حدود".(أرشيف)
الإثنين 12 نوفمبر 2018 / 19:44

رايات سوداء وحقد بلا حدود

أراد الإرهابيون أن يؤكدوا لنا أننا لسنا محصنين تماماً، وأرادوا أن يقولوا إن مجتمعنا مخترق وليس مكشوفاً فقط

يفتح الاعتداء الهمجي على الدكتور يونس قنديل أمين عام منظمة "مؤمنون بلا حدود" ملفاً يتجنب الكثيرون من الوعاة ملامسته خشية التأويل والتفسيرات المقصودة التي تشيطنهم وتصنفهم أعداء للدين وخارجين على الملة. ويعيد هذا الاعتداء الآثم التذكير بضرورة التحرك لمحاصرة الفكر الظلامي وأدواته المتسترة بالتقوى الزائفة والحرص الكاذب على الإسلام، ويكشف في الوقت نفسه نفوذاً وقدرات لم نتخيل وجودها لدى المجموعات الإرهابية والظلامية التي تعبث في مجتمعاتنا منذ سنين.

ربما يكتسب الاعتداء على قنديل أهمية استثنائية لأنه وقع في الأردن، الدولة العربية الأقل تأثراً بالفكر الظلامي منذ اجتياح الحقد الأسود معظم بلاد الجوار في زمن الخراب الذي يسميه الظلاميون ربيعاً. وربما تحمل الواقعة مؤشراً جديداً على إصرار الظلاميين على المضي في طريق الخراب وقتل الآخر حين يكون صعباً إقصاؤه، فقد جاء الاعتداء الوحشي على قنديل في عمان بعد سنتين فقط من جريمة اغتيال الكاتب الأردني ناهض حتر على باب "قصر العدل". ولعل من اعتدوا على قنديل اختاروا ألا يقتلوه وأن يطلقوه بعد تعذيبه ليروي تفاصيل معاناته بكل ما تحمل من رسائل أراد أصحاب الرايات السوداء توجيهها إلى الدولة والمجتمع.

أراد الإرهابيون أن يؤكدوا لنا أننا لسنا محصنين تماماً، وأرادوا أن يقولوا إن مجتمعنا مخترق وليس مكشوفاً فقط، وقد تزامن اعتداؤهم الإرهابي على قنديل مع صدور تقارير عن احتمالات مرعبة لتسلل مجاميع من الفصائل الظلامية إلى الأردن من سوريا والعراق بعد هزيمتها ومحاصرة فلولها في الدولتين. ومن الطبيعي أن يسعى داعش والقاعدة إلى البحث عن تغرة أو ثغرات لتحقيق هذا الاختراق الخطير، ومحاولة تكرار السيناريوهات الإرهابية المقززة التي كان أكثرها دموية وإجراماً تفجيرات فنادق عمان التي مرت ذكراها الأليمة قبل ثلاثة أيام.

يراهن الظلاميون أيضاً على وجود حاضنة اجتماعية لهم في الأردن، ويعتقدون أن الشباب الأردني صيد سهل في ظل الوضع الاقتصادي الصعب الذي تمر به المملكة، وفي ظل الاستنكاف عن مواجهة خطابهم التفجيري بخطاب مضاد ينسف حجتهم البائسة بدلاً من الحوار الخجول مع دعاة الموت والخراب.

لكنهم، وهم يستسلمون لأوهام التغلغل السهل والاجتياح المجتمعي، يغفلون حقيقة مهمة جسدها الأردنيون في كل اللحظات الصعبة، حين كان المجتمع يتوحد بكل أطيافه للدفاع عن الدولة وصد الاستهداف الشيطاني للسلم الأهلي في البلاد، وحين كان المجتمع يتوحد أيضاً في تجسيد الموقف العروبي الانساني تجاه ما حدث ويحدث في الجوار العربي.

لم يشذ عن هذا الموقف المجتمعي الموحد إلا حفنة من غلاة المتطرفين والموتورين المسلحين بحقد غير محدود على كل ما هو عربي وكل ما هو انساني. وقد ثبت بالتجربة المرة أن هؤلاء مغيبون تماما ومنقطعو الصلة بالواقع ومسيرون بفتاوى الخراب. ولعل الإرهابي الذي اغتال ناهض حتر كشف هذه الحقيقة حين اعترف بأنه لم يقرأ شيئاً للكاتب المغدور، مثلما كان الارهابي الذي طعن نجيب محفوظ في مصر اعترف أيضاً بأنه لم يقرأ رواية لمحفوظ!

قبل جريمة الاعتداء على قنديل كان ظلاميون قد اعترضوا على عقد مؤتمر في عمان لمنظمة "مؤمنون بلا حدود"، وقد نجح الحاقدون بلا حدود في منع انعقاد المؤتمر بعد حملة تحريضية منظمة استجابت لها الحكومة، تجنباً للتوتير. وربما ينبغي الآن تقصي حقيقة هذه الحملة ومن وقف وراءها، لأن هؤلاء يوجهون رسالة خطيرة ينبغي الانتباه إليها، بدلاً من المجاملة على حساب الوعاة.