لوحة للرسام حسن ماضي.(أرشيف)
لوحة للرسام حسن ماضي.(أرشيف)
الثلاثاء 13 نوفمبر 2018 / 19:09

نظام حسين ماضي

حسين ماضي وحده استطاع أن يؤلف من زخارفه المضلعة وزواياه وخطوطه المسننة عالماً من الشهوة

يترك حسين ماضي طبعته على كل ما يصنعه، يفعل ذلك بقوة تصل إلى حد القسوة، وبالتأكيد فإن ما يصنعه يبقى له وحده. إن وحدته الزخرفية بأضلاعها الحادة، له وحده، كذلك الإمرأة الممددة أو الجالسة بحضور بارز وبكتلة ملمومة له وحده. الأنساق الزخرفية لا تذكّر إلا به، طيوره هي لذلك طيوره وحده. ما يفعله حسين ماضي يظل يخصّه هو، إنه في ما يصوّره ويرسمه في الآن نفسه، في ما يصوره يبدو كأنه ينحته، في ما يصوّره يبدو كأنه يصنع نسقاً وينقضه دون أن يعتدي عليه، ودون أن يستهين به. لقد بدأ من حيث لم يبدأ أحد، بدأ من حيث لا يبدأ التصوير وحيث، لا يفعل التصوير سوى التحدي. بدأ التصوير بعيداً عن الأنساق السائدة، وبعيداً عن غناء العالم وعن مديحه.

 اختار أن ينصب خطوطه ويضلّعها ويخلق زواياه منها. اختار أن يباشر بجدية مسنونة أو جارحة. لقد بدأ بخط كالشفرة وحرف كالنصل. كان يفعل ذلك فيما الآخرون ينسخون ويزينون ويتغنون ويحنّون إلى ريف مهجور، فيما الآخرون يرسمون بدون زوايا وبدون هندسة قاسية وبدون تحدٍ. حسين ماضي بدأ يرتطم بالعالم وبدأ بهندسة غاضبة وجارحة. لقد أراد أن يرسم بالزوايا والانحناءات تاركاً المستقيمات والمتوازيات وراءه. لقد أنشأ عالماً من مروسات ومسننات. أنشأ وجوهاً مثلثة وأشخاصاً من مثلثات. كأن العالم الذي يصنعه بأسنان ونصال. يمكننا أن نتكلم هنا عن القسوة كما يمكننا أن نتكلم عن العنف، لكن يمكننا أيضاً أن نتكلم وبالدرجة نفسها عن الرغبة والشهوة والمتعة. حسين ماضي وحده استطاع أن يؤلف من زخارفه المضلعة وزواياه وخطوطه المسننة عالماً من الشهوة. وحده استطاع بالزخارف المستطيلة المربعة أن يروي وأن ينسج عالماً للطِراد والصيد والتحليق. بالتجريد يقدر حسين ماضي أن يسرد، بالتواتر والتكرار يعرف أن يثير حرباً ، بالتوازي والترتيب يعرف أن يوحي بملحمة. هكذا قدر بأبجديته المسمارية أن يرسم وأن يصور وأن يستفز وأن يرتطم وأن يتحدى.

ما يصنعه حسين ماضي طوال حياته الفنية لا يخسره ولا يتخلى عن بعضه. لقد بدأ مكتملاً لا تزال أبجديته حاضرة، ولا تزال زخارفه نضرة ولا تزال نسوته عارمات بالرغبة والاشتهاء. ملونته هي اليوم بفتوة بداياته وسيرته حين تستعاد، تبدو الآن أكثر حناناً ورفقاً وجاذبية. لقد أسس من البدء ولا زال يؤسس وحين تدخل في نظامه تعرف أنه يزداد نظامية كلما خرج عن النظام. إنه لا يزال في بحث عن نظام يزداد مع الوقت حاجة إلى البعثرة، وإلى مزيد من الخروج والتحدي. لقد كان بحثه المستمر عن النظام داعياً ليسعى كي يقبض عليه، وداعياً ليفعل ذلك بغضب. لقد كان دائماً باحثاً عن الوحدة الزخرفية الأولى، عن المبدأ الكوني التي يتجلى فيها. كان النظام يقال بأكثر درجة من التحدي والاستفزاز، ولكن أيضاً بأكثر درجة من القبول والرضى. هكذا يستطيع فن حسين ماضي أن يحتوي المتضادات، أن يرسم فيما يصور، أن يجرّد فيما يروي وفيما يقول، أن يلعب فيما يجد المعنى، ويقيم النظام على حد الوحدة الزخرفية الأولى.

كان حسين ماضي فريداً في جيله وبين الرسامين بوجه عام، ويكفي أن ننظر الى لوحاته ورسومه ومنحوتاته لنكتشف أننا أمام تراث يزداد حضوراً وشاعرية عاماً بعد عام. نكتشف أيضاً أن عالم حسين ماضي يزداد اكتفاء واكتنازاً لدى كل معرض، وأن مبادئه وأسسه تظل تغتني وتفعل كلما تقدم فنه.