قوات أوروبية (أرشيف)
قوات أوروبية (أرشيف)
الثلاثاء 13 نوفمبر 2018 / 23:35

الجيش الأوروبي: حلم ألماني فرنسي وكابوس أمريكي

24 - بلال أبو كباش

يوسع الاتحاد الأوروبي قاعدة طموحاته منادياً ببناء جيش أوروبي حقيقي متكامل يعزز قوة الاتحاد، ويقطع الطريق أمام فكرة قيام أي حروب بين الدول الأوروبية مستقبلاً. ويحصن جبهات القارة المختلفة ضد القوى الروسية والأمريكية والصينية.

من فرنسا خرجت الفكرة، وفي ألمانيا لقيت صداها، ولكنها اصطدمت برفض أمريكا، وبانتقادها الحاد لحليفتيها الأكبر في الاتحاد الأوروبي. غير أن ذلك لم يمنع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من طرح الفكرة في ذكرى مرور 100 عام على انتهاء الحرب العالمية الأولى، وبحضور قادة كبار في مقدمتهم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إلى جانب عشرات الملوك ورؤساء الدول الآخرين.

بدأت ملامح الفكرة الفرنسية بالوضوح أكثر حينما أبدت المستشارة الألمانية اليوم الثلاثاء، تأييدها القوي للمقترح، في كلمة لها أمام البرلمان الأوروبي، قائلة إن "علينا وضع رؤية تتيح لنا أن نصل يوماً ما إلى إنشاء جيش أوروبي حقيقي".

الدافع
شكل وجود ترامب في البيت الأبيض هاجساً مقلقاً لأوروبا دفعها لأن تكون أكثر حذراً في التعامل مع إدارته، ومواجهة قراراته خاصة بعد تبنيه سياسات اقتصادية متشددة أهمها فرض رسوم جمركية مرتفعة على واردات الصلب والألمنيوم الأوروبية.

كما أدت الانتقادات الأمريكية المستمرة لميزانية حلف شمال الأطلسي "الناتو"، ومساهمة الاتحاد الأوروبي فيها إلى إثارة التوترات بين الطرفين، التي شكلت بدورها صحوة أوروبية ترفض حجم الإنفاق الكبير على شراء أسلحة أمريكية كصواريخ "باتريوت"، والطائرات المقاتلة من طراز "إف 35" بأسعار مرتفعة جداً.

كذلك يأتي المقترح لتوحيد الصف الدفاعي لأوروبا، وتعزيز الصناعات العسكرية بتوحيد أنظمة التصنيع الـ160 المختلفة بين الدول الأعضاء وتطويرها، وإنشاء سياسة مشتركة لتصدير الأسلحة. وترى أوروبا أيضاً أنه من الضروري بناء جيش لحماية الاتحاد من الصين وروسيا وأمريكا في مجال المعلوماتية، إضافة إلى تحقيق المزيد من الاستقلالية عن واشنطن، وفقاً لما ذكرته وكالة الأنباء الروسية "سبوتنيك". 

وتلقى فكرة الجيش الأوروبي تجاوباً واسعاً في أوروبا حيث يؤيدها الكثير من السياسيين في ألمانيا وفرنسا كونها تؤسس لتوسيع نفوذ أوروبا وجعلها أكثر تأثيراً على الساحة العالمية.

الكيفية
وبحسب وكالة الأنباء الفرنسية، فإنه "لا يزال من غير الواضح حتى الآن الكيفية التي سيبدو عليها الجيش الأوروبي المقترح"، ووفقاً لتصورات فرنسا فإنه من الممكن كخطوة أولى إنشاء قوة تدخل للتعامل مع مناطق الأزمات مثل أفريقيا على سبيل المثال، وترى فرنسا أن هذه القوة يمكن تكوينها من مجموعة صغيرة من الدول الأوروبية، على أن يتم البدء في مشروع إنشاء " جيش أوروبي حقيقي" في الخطوة التالية.

غير أن الحكومة الألمانية انتقدت فكرة إنشاء قوة التدخل لأن ماكرون يرغب في تكوينها خارج إطار الاتحاد الأوروبي من أجل إشراك بريطانيا التي توشك على الخروج من التكتل. وقالت وزيرة الدفاع الألمانية، أورزولا فون دير لاين، إن الجيش الأوروبي يجب أن يتم إنشاؤه في إطار الاتحاد الأوروبي وليس خارجه " ومن أجل هذا أنشأنا قبل عام اتحاد الدفاع الأوروبي".

رفض أمريكي
لكن على الجبهة الأمريكية، اشتعلت حرب التغريدات الرافضة للمشروع الأوروبي، ووجه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سيلاً من الانتقادات الحادة لنظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، معتبراً فكرته حول إنشاء جيش أوروبي بـ"المهينة"، ومطالباً أوروبا كاملة بتسديد مدفوعات حلف شمال الأطلسي "الناتو".

الرد الأمريكي الرافض لفكرة إنشاء جيش أوروبي لم يكن عبثاً، فالفكرة وإن تحققت فإن واشنطن ستفقد السيطرة الاستراتيجية الهائلة على أوروبا، كما أنها ستُحرم من تريليونات الدولارات المتدفقة إلى "البنتاغون" من صوب أوروبا.

البذرة الأولى
لم تكن الفكرة الفرنسية الأوروبية وليدة اللحظة، فهي مبنية على قرار اتخذ في 2009 لإنشاء قوة دفاع أوروبية موحدة، وافقت عليها 23 دولة أوروبية ورفضتها 4 دول أهمها المملكة المتحدة، وتم تفعيل القوة في 2017 بهدف توفير حماية أكبر إلى أوروبا دون تجاهل أو تعارض مع منظومة "الناتو" بحسب صحيفة "اندبندنت" البريطانية.

رغم جدية فرنسا وألمانيا حول مقترح إنشاء جيش أوروبي موحد تبقى الفكرة غير نافذة إذ لم تتبناها دول أوروبا ككل، عدا عن كونها ستصطدم بجبهة أمريكية صلبة قد تعيق تحقيقها الآن.