زعيم الديمقراطيين في مجلس النواب.(أرشيف)
زعيم الديمقراطيين في مجلس النواب.(أرشيف)
الأربعاء 14 نوفمبر 2018 / 20:01

قواعد اللعبة

كأنّ نانسي بيلوسي تعطي درساً موجعاً للديمقراطيين المراهقين، المثاليين، صغار السن، فتأخذ كلمات دونالد ترامب للفخر، والاستشهاد بها، كلمات العدو

بعد فوز الديمقراطيين بمجلس النواب، في انتخابات التجديد النصفي الأمريكية، قالت نانسي بيلوسي، زعيمة الأقلية الديموقراطية الحالية، والأقرب إلى الفوز بزعامة الأغلبية الديمقراطية القادمة، في كانون الثاني (يناير) 2019، بأنها ستعمل على إمكانية التعاون مع الجمهوريين، ومع إدارة ترامب، لتحسين البنية التحتية، والمواصلات، والمدارس، والرعاية الصحية. وقالت أيضاً إن الانقسامات أنهكتْ الأمريكيين، وأن مُقاربة الديمقراطيين لأوامر الاستدعاء والتحقيق، ستكون استراتيجية للغاية.

في السياسة المواقف مُتغيِّرة بحسب المكسب والخسارة. المكسب يأتي برياح الاعتدال، والخسارة تأتي برياح التشدد. الديمقراطيون فازوا الآن بغرفة الكونغرس، وعلى الكبار منهم، تهدئة نبرة العداء تجاه الرئيس دونالد ترامب، وبالتالي تجاه الجمهوريين. بعض الآراء تذهب إلى أن انتخابات التجديد النصفي، أطاحتْ بالجمهوريين المعتدلين الذين كان لهم الكثير من التحفظات على أداء الرئيس دونالد ترامب، ولم يبق الآن سوى جمهوريين مساندين للرئيس دونالد ترامب حتى النهاية.

اللعبة هكذا، إذا هدد الديمقراطيون البيت الأبيض، تهديداً حقيقياً، بالتحقيقات والاستدعاءات التي لا تنتهي، فإن الرئيس دونالد ترامب سيعتبر نفسه، ومن ورائه الجمهوريون، في حالة حرب مع الكونغرس. قال الديمقراطي البارز، آدم شيف، عن ولاية كاليفورنيا، والعضو في لجنة الاستخبارات بالكونغرس: رسالة الحزب الديمقراطي حول قضايا مثل الرعاية الصحية، لا يمكن أن تضيع وسط موجة من مذكرات الاستدعاء والتحقيق المُحتَمَلة. وقال شيف أيضاً: دعونا نواجه الأمر، التحقيقات مثيرة للاهتمام، والتشريعات أقل إثارة، وأولوية الشعب الأمريكي، هي التشريعات، وهذه بدورها تؤدي إلى حل قضايا هامة مثل قضايا الرعاية الصحية.

أكدتْ زعيمة الديمقراطيين نانسي بيلوسي، مرة أخرى، على أن سياسات الحزب الديمقراطي، ستكون استراتيجية. وكأنها بكلمة "الاستراتيجية"، تُبعد قليلاً، الطيف اللوني الأناركي من اليساريين والنيو ليبراليين والديمقراطيين المتشددين، وهذا الطيف اللوني كان في سلة الديمقراطيين أثناء انتخابات التجديد النصفي، ومن أحلامه أن تستمر المعركة مع الرئيس دونالد ترامب بنفس الشراسة، لكن الفوز يفرض توازنات جديدة، أولها الحفاظ على قيمة الفوز ذاته.

المعضلة التي تواجه الديمقراطيين، أن أي تشريع، لكي يُصبح قانوناً سارياً على أرض الواقع، لا بد له من توافق نسبي بين الحزبين، الديمقراطي والجمهوري، وبما أن الحزب الجمهوري يُسيطر على مجلس الشيوخ، وله كتلة في الكونغرس، فإن التعطيل سيكون النغمة السائدة في السنتين القادمتين، لحين انتخاب رئاسي جديد. ستفتح البيروقراطية فكها الكبير على الحزبين معاً. يُسارع كل حزب إلى أدبيات الدستور، وأدبيات الممارسة السياسية التاريخية، ثم يعود بالحُجَّة في وجه الحزب الآخر، والنتيجة المزيد من التعطيل، وتعليق الوعود في الهواء.

قالت نانسي بيلوسي في تصريح للسي إن إن، وهي المولودة عام 1940، أي أنها تبلغ من العمر 78 عاماً، بأنها واثقة من انتخابها كرئيسة لمجلس النواب في كانون الثاني (يناير) 2019. أجابتْ نانسي بيلوسي على السؤال الخبيث، إجابة مُراوِغة، تشي بخبرة وحنكة السنين. والسؤال كان عن وجود عدد من الديمقراطيين، صغار السن، شاغلي المناصب الجدد، والمبتدئين، الذين أعلنوا عن معارضتهم لرئاسة، أو زعامة نانسي بيلوسي للكونغرس، وللديموقراطيين بشكل عام.

أجابتْ نانسي بيلوسي إجابة قاسية. قالت بأنها سمعتْ أن الرئيس دونالد ترامب قال بأن نانسي تستحق أن تكون المتحدث باسم الديمقراطيين. هذه نصف الإجابة من المخضرمة نانسي بيلوسي، ثم أكملتْ النصف الآخر من الإجابة، بأنها لا تعتقد أن أي شخص يستحق أي شيء. ومع ذلك أعتقد أنني أفضل شخص للمضي قُدماً للتوحيد والتفاوض.

كأنّ نانسي بيلوسي تعطي درساً موجعاً للديمقراطيين المراهقين، المثاليين، صغار السن، فتأخذ كلمات دونالد ترامب للفخر، والاستشهاد بها، كلمات العدو، وكأنها تقول لهم أيضاً: كان لكم دور في الوقود الانتخابي، وستأخذون حسنته، فنحن الكبار، ونحن مَنْ سيرمي للصغار، تلك الحسنة، أو تلك اللقمة من علياء المُمارسة السياسية.

الرافضون الصغار لزعامة نانسي بيلوسي، يحتاجون من 15 إلى 20 صوتاً، لعرقلة انتخابها كرئيسة لمجلس النواب. يرى البعض أن غمامة السحابة السوداء الوحيدة التي تواجه الحزب الديمقراطي، بعد انتخابات التجديد النصفي، هي صراعات الأجنحة داخل الحزب الديمقراطي. هناك "جناح بيرني ساندرز"، و"جناح أوباما"، و"جناح كلينتون". نانسي بيلوسي الهادئة الواثقة، تعرف أنه لا توجد شخصية ديمقراطية بوزنها وخبرتها، ولهذا تتوقع رئاسة الحزب الديمقراطي في بداية 2019.

من جانب آخر لا يُستهان بحمى الديمقراطية، ودوران تروسها الفائق، ورطانة الشباب الجدد، والمتمردين الجدد، وإتاحة فرصة حقيقية للصغار، وهوى وسائل إعلام كبرى مثل السي إن إن، في تضخيم تلك الرطانة. وفي النهاية كل هذا يدور أيضاً، تحت عيون الحزب الجمهوري الذي يرصد صراعات عدوه، ويتدخل فيها، ويعزز الانقسامات، فتزداد تعقيداً.