الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان.(أرشيف)
الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان.(أرشيف)
الجمعة 16 نوفمبر 2018 / 13:49

تحالف تركيا وروسيا..إلى أين؟

رأى سنان سيدي، عضو مجلس المساهمين في مركز "ستراتفور" الأمريكي، أنه رغم تقارب تركيا من روسيا وتوتر علاقاتها مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، فإن التحالف الجديد بين أنقرة وموسكو لن يستمر على الأرجح لوقت طويل نظراً إلى الاختلاف الكبير في الأولويات والرؤى الاستراتيجية بين البلدين، ومن المتوقع أن تتخذ تركيا إجراءات خلال الأشهر المقبلة لإحياء تحالفها مع الولايات المتحدة وشراكتها مع الاتحاد الأوروبي.

رغم الروابط الاقتصادية فإن تقارب تركيا من روسيا والصين لن يستمر لوقت طويل؛ حيث أن هذا الأمر سيضعها في معسكر أوراسيا وربما يقود إلى طردها من حلف الناتو

ويشير الباحث إلى أنه رغم العداء التاريخي بين تركيا وروسيا، أقام البلدان منذ نهاية الحرب الباردة علاقات اقتصادية مهمة وحددا هدفاً جريئاً، ربما لا يمكن تحقيقه، ويتمثل في وصول قيمة التجارة الثنائية بين البلدين إلى 100 مليار دولار. ومع ذلك فإن هذا التطلع الاقتصادي يقابله اختلاف في الامتيازات في المجال الاستراتيجي والجيوسياسي.

توتر العلاقات مع أمريكا
ومنذ عقود شاركت تركيا، التي تمثل الجناح الشرقي لحلف الناتو، مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لاحتواء النفوذ الروسي في أوروبا الشرقية والوسطى وكذلك القوقاز. بيد أن التطورات الأخيرة في الحرب السورية أسفرت عن تطابق في المصالح وتعاون بين أنقرة وموسكو، ولكن من الصعب أن يتعمق هذا التحالف الجديد إلى علاقة استراتيجية دائمة بحسب كاتب المقال.

ويوضح المقال أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على خلاف مع الولايات المتحدة منذ 2012 بسبب دعم الأخيرة للأكراد في سوريا الذين تعتبرهم تركيا فرعاً لحزب العمال الكردستاني الذي يقود التمرد داخل تركيا (تصنفه تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على أنه منظمة إرهابية). كما أن هناك العديد من القضايا الأخرى التي أدت إلى حدوث انقسام عميق بين تركيا والولايات المتحدة ومنها شراء تركيا لنظام صواريخ "اس 400" الروسية لتعزيز دفاعاتها الجوية بدلاً من أنظمة صواريخ باتريوت الأمريكية، ثم هددت السلطات الأمريكية تركيا بأنه في حال نشر الصواريخ الروسية فإن الولايات المتحدة لن تنقل إلى تركيا سوى 100 مقاتلة فقط من طراز "إف 35"، حيث إن الأطقم الروسية التي ستقوم بتشغيل أنظمة "اس 400" ستكون في مواقع استراتيجية تمكنها من الحصول على معلومات بشأن نقاط القوة والضعف في المقاتلات الأمريكية "إف 35".

وعلاوة على ذلك، تعمد حكومة أردوغان إلى احتجاز المواطنين الأمريكيين بشكل تعسفي لاستخدامهم كورقة مساومة لإجبار واشنطن على الاستجابة للمطالب السياسية التركية، وبخاصة ما يتعلق بسوريا، ولكن الولايات المتحدة هددت باتخاذ المزيد من الإجراءات العقابية ضد تركيا التي يمكن أن تلحق ضرراً بالغاً بالاقتصاد التركي الهش الذي يعاني من الديون بالفعل.

التقارب مع روسيا والصين

ويقول مقال "ستراتفور": "بدلاً من إصلاح العلاقات مع الولايات المتحدة وطلب المساعدة المالية الطارئة من صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة، يبدو أن أردوغان أكثر اهتماماً بالتحول إلى حلفاء جدد مثل روسيا والصين لتحقيق أجندته السياسية الخارجية والإقليمية. إن شراء الديون السيادية من قبل الصين يعد إحدى الطرق التي تتقدم من خلالها بكين في تحقيق طموحها العالمي بإزاحة مكانة الولايات المتحدة باعتبارها القوة الاقتصادية والعسكرية الوحيدة المهيمنة، وفي الوقت نفسه سيكون الأمر جاذباً بالنسبة إلى أردوغان لأن القروض النقدية من الصين سوف تنطوي، على الأرجح، على شروط أقل من شروط صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. وبخلاف الجهاز الأمني التاريخي المتأصل في الحرب الباردة والعلاقات التجارية المحدودة، لا يوجد الكثير الذي يربط بين تركيا والولايات المتحدة".

مصالح اقتصادية مشتركة
ويشير الكاتب إلى الشراكة الاقتصادية المهمة بين روسيا وتركيا في عدد من القطاعات التي تجعل أنقرة تعتمد بشكل متزايد على موسكو؛ إذ تستمد 55% من احتياجاتها من الغاز الطبيعي (ينتج 60% من الطاقة الكهربائية في تركيا) من روسيا، وتم توقيع اتفاقية بين البلدين لبناء محطة طاقة نووية روسية واحدة على الأقل في تركيا. وتقوم موسكو وأنقرة ببناء خط أنابيب تركستريم من أجل نقل الغاز الطبيعي الروسي عبر تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، كما أن السوق المحلية الروسية تعتبر وجهة حيوية للصادرات التركية (المنتجات الزراعية والمنسوجات وغيرها)، وثمة تعاون في القطاع السياحي؛ إذ يمثل تدفق ما بين 4 و 5 ملايين سائح روسي إلى تركيا خلال 2017 نسبة 12% من العدد الإجمالي للسياح في البلاد ومصدراً كبيراً للإيرادات. والواقع أن العلاقات بين الجانبين لا تعتمد على القيم المشركة مثل حقوق الإنسان والحكم الديمقراطي، وهي العوامل التي زادت توتر العلاقة بين تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

 رؤى استراتيجية مختلفة
ويرى مقال "ستراتفور" أنه رغم الروابط الاقتصادية فإن تقارب تركيا من روسيا والصين لن يستمر لوقت طويل، حيث أن هذا الأمر سيضعها في معسكر أوراسيا وربما يقود إلى طردها من حلف الناتو، كما أن الاولويات والرؤى الاستراتيجية بين أنقرة وموسكو مختلفة إلى حد كبير، فعلى سبيل المثال ثمة تضارب في المصالح يتعلق بشن هجوم عسكري مدعوم من روسيا وإيران على مدينة إدلب السورية (آخر معقل تسيطر عليه المعارضة السورية). وحتى الآن نجح أردوغان في منع شن هذا الهجوم، بيد أن ذلك لن يدوم لفترة أطول، لاسيما أن روسيا لديها مصلحة واضحة في إنهاء الحرب الأهلية السورية واستعادة حكومة الأسد للسيطرة على البلاد بالكامل مرة أخرى. وترى تركيا في معركة إدلب إشكالية كبرى ستؤدي إلى تدفق موجات جديدة من اللاجئين إلى تركيا التي لديها بالفعل أكثر من 3,5 ملايين سوري، كما أن العناصر المتطرفة (بقايا المعارضة السورية التي دعمتها تركيا مثل هيئة تحرير الشام ومقاتلي التنظيمات الإرهابية التابعة للقاعدة وداعش) ستهرب إلى تركيا، وهذا يشكل تهديداً للأمن الداخلي التركي.

ويلفت المقال أنه على المدى الطويل لن تحقق تركيا الكثير من دعم حكومة الأسد؛ وبخاصة لأنها ستتخذ موقفاً معادياً، على الأرجح، ضد أردوغان الذي حاول إسقاط الرئيس بشار الأسد واستبدال نظامه بآخر سني. ومن الناحية الاستراتيجية فإن تركيا ستظل معزولة إلى حد كبير في المنطقة إذا لم تستعد علاقاتها مع شركائها وربما تواجه تحديات أمنية واقتصادية متزايدة، ولذلك بدأ أردوغان في عدة مبادرات من أجل إصلاح العلاقات المتوترة بشكل خطير مع الحلفاء وأبرزها إطلاق سراح رجل الدين الأمريكي أندرو برانسون في منتصف أكتوبر (تشرين الأول) الماضي لمنع فرض المزيد من العقوبات ضد تركيا. وعلاوة على ذلك، يعمد أردوغان إلى استغلال مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي لتهميش دور السعودية لدى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والادعاء بأن تركيا هي الشريك الأكثر مصداقية.

ويختتم مقال "ستراتفور" بأنه رغم التوتر الخطير الذي تشهده العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، فإنه من المرجح أن تقوم أنقرة بالمزيد من الإجراءات العلنية لإحياء تحالفها مع الولايات المتحدة وشراكتها مع الاتحاد الأوروبي.