مقاتلات إسرائيلية.(أرشيف)
مقاتلات إسرائيلية.(أرشيف)
الجمعة 16 نوفمبر 2018 / 19:56

خذوا الزعيم

حين تمتد الذراع الإعلامية الخبيثة لإسرائيل فـ "تدلدل" أمامنا هذه الآراء بقصد استفزازنا، وتشكيكنا في أنفسنا، ونحن –كالأغبياء تماماً- لا نفوّت الفرصة لابتلاع الطعم، وإشباع جوعها للشماتة بنا

تسمّرت عيني على نشرة الأخبار بصدمة تماثل تلك التي في أعين الكبار. تقوقعت في حجر عجوز من الأقرباء، وسألتها عن إسرائيل هذه، ولم لا "نضاربها". على الأرجح، كنا سنذهب في وفد مصغّر تتقدمه أمي لنقول لإسرائيل "تأدبي يا بنت الناس".

أجابت العجوز أثناء لقطة مرور مروحية أو طائرة إسرائيلية على الشاشة، "أمي، لو ألقى هؤلاء علينا قنبلة واحدة لمحونا عن الوجود".

يا لسخرية القدر بأنه من ذلك الحجر، حيث لم يكن شيء في الكون ليضرني، دبّ بي الخوف الشديد لأول مرة من العدو، لأعتقد طوال طفولتي بأنه جبار لا يُقهر، وصلب لا يُكسر. حتى الدعوات، واللعنات، والابتهالات، بدت أمام عجزي غير قادرة على اختراق الدرع الواقي لإسرائيل.

لقد سامحت تلك العجوز المسكينة على إجابتها التي كادت أن توقعني مبكراً في جُب اليأس، بل وربما تمرضني بمتلازمة ستوكهولم لأهيم بـ "الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط" على غرار البعض.

سامحتها. ولن أقول اليوم سوى الحمد لله بأن نقاشنا لم يكن مسجّلاً.

فمؤخراً، عمد أفيخاي أدرعي، الناطق باسم جيش الدفاع الإسرائيلي، إلى أن يعيد نشر مقطع قديم لعادل إمام يعود إلى 2010، حينما كان الفنان المصري قد أعلن رفضه للمقاومة بحجة أن إسرائيل "منظمة جداً، وبتشتغل جداً"، فهي إذاً عصية على صواريخ حماس المصنوعة "في الورش"، على حد تعبيره الساخر.

يعيد أدرعي المقطع بنشوة سرية مقززة، وكأنما وجد سكيناً حادة أخرى ليغرزها في الإيمان الشعبي بالمقاومة. أكاد أسمعه يضحك، "هه. حتى مشاهيركم لا يتحرّجون من مبايعة كياننا، وإعلان كفرهم الصريح بالنضال".

صدقوني بأني لا أسعى للدفاع عن تصريحات "المُتهم سرحان عبدالبصير".

ربما هو يحسب ضريبة المقاومة بحسابات معقدة لا تقبل بالتضحيات، تماماً كما حسبها "ناجي عطا الله" حين سطا على البنك الإسرائيلي. ربما هو "زعيم" يفضّل البراغماتية على المخاطرة، وربما هو يستقي رأيه من دروس التاريخ التي لم يحفظها جيداً حينما كان لا يزال "بهجت الأباصيري".

أو قد يكون خائفاً! نعم، خائف، مثل تلك العجوز التي حاولت أن تلقني درساً مختصراً عن إسرائيل، فانتهى بها المطاف تصنع لها هالة مزيفة من العظمة.

المؤسف فقط هو أنه حين تمتد الذراع الإعلامية الخبيثة لإسرائيل فـ "تدلدل" أمامنا هذه الآراء بقصد استفزازنا، وتشكيكنا في أنفسنا، فنحن –كالأغبياء تماماً- لا نفوّت الفرصة لابتلاع الطعم، وإشباع جوعها للشماتة بنا.

أتى أدرعي ببضعة شكوك منطقية يحملها "أبو رامي"، وأنصاف تساؤلات عن جدوى الصواريخ المنطلقة على إيلات، فتطوّعنا من أنفسنا لأن نعطيه ختم "التأكيد" على "صهيونية عادل إمام"، وكأنما نتوق إلى أن نضيف رأسا مجانياً إلى القطيع الذي يبحث عنه الكيان!

وبإذن الله، إذا بقينا على هذه الوتيرة في تخوين بعضنا بعضاً، فلن يبقى في الوفد المصغّر سوى أنا وأمي.