رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو (أرشيف)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو (أرشيف)
الأحد 18 نوفمبر 2018 / 21:04

وما عدا ذلك تفاصيل..

لن يعرف أحد طبيعة المهمة السرية، التي كُلفت بها وحدة من القوّات الخاصة الإسرائيلية، في خانيونس، يوم الأحد الماضي، 11 نوفمبر (تشرين الثاني)، وانتهت بمقتل قائد المجموعة وفرار بقية أفرادها، وحرص الإسرائيليين على تدمير سيارة كانوا يستقلونها بغارات جوية، ربما للتخلص من معدات وأجهزة بالغة الحساسية لا يريدون لها الوقوع في يد الفلسطينيين.

نتانياهو يحتكم إلى تضافر عوامل محلية، وإقليمية، ودولية، يعتقد أن نتائجها على المدى المتوسط والبعيد تخدم أهداف ومصالح إسرائيل الاستراتيجية بصورة أفضل. لذا لا يريد المجازفة بمجابهة على نطاق واسع

ولكن هذا الأمر، على أهميته، يظل تفصيلاً صغيراً في مشهد أكبر وأكثر تعقيداً. فعلى إثر افتضاح أمر الوحدة الإسرائيلية، التي حاولت التسلل عبر الحد الفاصل، وما نجم عن إجهاض المحاولة من اشتباك مُسلّح، اندلعت مجابهة واسعة النطاق على مدار يومين، تعرض خلالها قطاع غزة لغارات متلاحقة من الطيران الإسرائيلي، وأُطلقت من القطاع مئات الصواريخ، محلية الصنع، على بلدات إسرائيلية قريبة.

بيد أن ما نجم عما تقدم من تداعيات سياسية مباشرة يتجاوز حجم وحقيقة ما حدث على الأرض، وفي الميدان، حيث استقال وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان من منصبه، احتجاجاً على قبول رئيس الحكومة نتانياهو، وقف إطلاق النار، ما يعني أن حكومة الائتلاف اليمينية أصبحت كالبطة العرجاء.

وزاد من تفاقم الوضع أن شريكاً آخر في الائتلاف هو نفتالي بينيت، هدد بالاستقالة ما لم يخلف ليبرمان في وزارة الدفاع.

والخلاصة أن الدعوة لانتخابات مبكرة، في فبراير (شباط) أو مارس (آذار) من العام القادم، تبدو مخرجاً إجبارياً للخروج من الأزمة الحكومية في الوقت الحاضر، وهذا ما سيتضح بصورة كافية عشية، أو مساء اليوم الأحد، بعد لقاءات يجريها نتانياهو مع شركاء في الحكومة.

ومع هذا كله في الذهن، ثمة ما يبرر التذكير بحقائق من نوع أن نتانياهو لا يريد المجازفة بحل الكنيست والدعوة لانتخابات مُبكرة، ويفضل استمرار الحكومة حتى نهاية ولايتها في أواخر العام القادم، ويحذر الشركاء في معسكر اليمين القومي الديني من تكرار سيناريو 1992، الذي سقطت فيه حكومة اليمين، ليترافق هذا مع صعود العماليين واليساريين إلى سدة الحكم، وتوقيع اتفاق أوسلو مع الفلسطينيين في عام لاحق.

ومع غض النظر عن مبالغة مثل هذه، فإن دوافع نتانياهو الحقيقية تتجلى في عدم الدعوة إلى انتخابات مُبكرة بعد استقالة ليبرمان بوقت قصير، خوفاً من نجاح الأخير في حصد مكاسب انتخابية، في ظل الوضع القائم على الحد الفاصل مع غزة. لذا، يحتاج في أسوأ الأحوال، بضعة أسابيع إضافية قبل الحسم في موضوع الانتخابات.

وما يعنينا، وبصرف النظر عن طريقة الخروج من الأزمة، يتمثل في تفسير التناقض بين ليبرمان ونتانياهو حول غزة.

فالأول يعتقد أن سياسة نتانياهو، وآخر تجلياتها السماح بدخول الأموال القطرية والوقود لحماس، وقبول وقف إطلاق النار، أسهمت في تآكل قوة الردع الإسرائيلية، ويجد هذا الاعتقاد صدىً تحريضياً واسعاً لدى الجمهور الإسرائيلي، خاصة في المستوطنات والبلدات القريبة من الحد الفاصل مع غزة.

أما الثاني، أي نتانياهو، فيحتكم إلى تضافر عوامل محلية، وإقليمية، ودولية، يعتقد أن نتائجها على المدى المتوسط والبعيد تخدم أهداف ومصالح إسرائيل الاستراتيجية بصورة أفضل. لذا لا يريد المجازفة بمجابهة على نطاق واسع قد تؤدي إلى تقويض أهداف ومصالح استراتيجية على رأسها الحيلولة دون قيام دولة فلسطينية، وتكريس الانقسام الجغرافي والسياسي بين الضفة الغربية وقطاع غزة، والاستفادة إلى أقصى حد ممكن من العلاقة الاستثنائية بالإدارة الأميركية، لتكريس مكان ومكانة الإسرائيل في الإقليم والعالم على حد سواء.

ولا جديد في تحليل كهذا، فقد تكرر جانب منه في مناسبات مختلفة، على مدار سنوات أصبحت طويلة، ولكننا نحتاج العودة إليه بشكل دائم للحيلولة دون ضياع البوصلة، واختلاط الأوراق. فغزة رهينة في يد حماس، وحقل تدريب على الرماية والردع في نظر الليبرمانات الإسرائيليين، وكذلك عقب أخيل الفلسطينيين، الذي يسعى الإسرائيليون من خلاله لإجهاض مشروع وحلم الدولة الفلسطينية. وما عدا ذلك مجرد تفاصيل