ملصق مسرحية "شووو...هاااا؟" (أرشيف)
ملصق مسرحية "شووو...هاااا؟" (أرشيف)
الإثنين 19 نوفمبر 2018 / 19:50

مسرح شعبي

هل نسمي مسرح يحيى جابر الذي يعرض له الآن "تياترو فردان" في بيروت مسرحية "شو... ها" بعد مسرحية "مجدرة حمرا"، هل نسميه مسرحاً شعبياً؟ هل نعتبره "فودفيل" لبنانياً؟ ماذا يعني مسرح شعبي في بلد يتأخر فيه المسرح أو ما نطلق عليه في العادة اسم المسرح؟ لم نسم أيام الحرب الأهلية مسرح "الحكواتي" لروجيه عساف وفريقه مسرحاً شعبياً.

وقت انطفاء المسرح أو ما شابه الانطفاء، يقوم في بيروت مسرح آخر بممثل واحد الأمر الذي سبق لمسرح رفيق علي أحمد أن قام عليه

كان يستلهم المسرح ما بعد البريختي، وبالضبط مسرح المخرجة الفرنسية آريان منوشكين، واسمه مسرح "الشمس".

كان لذلك مسرحاً لهواة المسرح وفي صميم العمل المسرحي، بينما كان مسرح زياد الرحباني أقرب إلى هذه التسمية فإن مسرح "الحكواتي" ظل رغم إعلانات مؤسسه روجيه عساف النظرية، مسرحاً يتطلب إلماماً بل اختصاصاً بتاريخ المسرح. لذلك كان في نسقه وتقنياته ومفهومه مسرح خبراء بالمسرح.

كانت "شي فاشل" لزياد الرحباني نوعاً من سيرك للسجال السياسي الذي تقاطع في الحرب الأهلية اللبنانية، وسمت السخرية المسرحية لكن جمهورها في بلد، لم يتأصل فيه المسرح، كان رغم وفرته، أقرب الى أن يكون من هوامش المثقفين.

خطف مسرح زياد الرحباني تسمية الشعبي، بعده خطف مسرح رفيق علي أحمد التسمية ذاتها التي لاقت له أكثر مما لاقت لمسرح زياد.

لكن أثر الحكواتي، كان أظهر في مسرح رفيق علي أحمد، وبالتأكيد أضيفت إلى مسرحه معالم شعبية كالغناء والرقص واستحضار شخصيات عامة في الريف والمدينة، لكن الهم المسرحي كان غالباً، أو بالأحرى كانت التسوية بين الفن والترفيه قائمة، دون أن يتعدى أحدهما على الآخر بل يبقى جسراً إليه ولا تتم اللعبة على حسابه.

الآن وقت انطفاء المسرح أو ما شابه الانطفاء، يقوم في بيروت مسرح آخر بممثل واحد الأمر الذي سبق لمسرح رفيق علي أحمد أن قام عليه. يحيى جابر لا يلعب في مسرحياته ويكتفي بكتابتها وإخراجها، يترك اللعب لغيره بينما رفيق علي أحمد مقصود بالدرجة الأولى كممثل ولا يفرق الجمهور بينه كممثل وبينه كمؤلف ومخرج.

مسرح يحيى جابر يستحق أكثر تسمية شعبي، بل هو آخر ما استقرت عليه هذه التسمية التي ظلت تحوم منذ مسرح "شامل ومرعي" الى مسرح شوشو الى مسرح زياد الرحباني ورفيق علي أحمد.

أنجو ريحان على منصة "تياترو فردان" وحدها في مسرحية "مجدرة حمرا"، المجدرة أكلة من برغل وهو كسر القمح، والعدس، والبصل، أكلة فلاحية، وحسين قاووق في مسرحية "شو... ها".

المسرحيتان لا تخفيان مرجعهما فهو في العملين الضاحية الجنوبية، حيث يقطن تجمع سكاني وفد إلى بيروت من جنوب لبنان وبقاعه، أي أنه في غالبيته العظمى تجمع شيعي. له ثقافة الشيعة اللبنانيين ومعيشهم وبيئتهم. لا يتحايل يحيى جابر على مرجعه ولا يعمّي عليه.

 إنه يعلنه من اللحظة الأولى في اللهجة والخطاب ولكن أيضاً في استحضار شخصيات مألوفة منه مع قدر من المبالغة لا يقطع الخيط مع الأصل، بل يجذره ويبالغ فيه حتى يغدو كاريكاتوراً له.

يبالغ الممثل والممثلة في تقمص الشخصيات ويشتركان مع الحضور في هذا التقمص حتى يبدو لفترة أن الجميع، على المنصة، وقبالتها، يشتركون في هذا التقمّص، بحيث أن ما يغدو استعادة للضاحية الجنوبية، أن التمثيل على المنصة يبدو محاكاة لشخصيات تكاد تكون مسمّاة ويتعرّف فيها كل واحد على من يعرفهم أو يحسب أنه يعرفهم.

الصوت يأتي من هذا الخارج وكذلك الحركات وكذلك العبارات، واللعبة هي أن يطابق هذا الحاضرين أو يوعز اليهم بهذه المطابقة على الأقل. إن الاشتراك في هذه المحاكاة أو استجلابها هو أساس اللعبة.

ليس الممثل على المنصة في دور إبن الضاحية، إنه تقريباً إبن الضاحية نفسه، وكل ما استحضر إبن الضاحية و سماه و أشار له، كل ما انتقل ذلك إلى الحضور الذي يكافئه بالضحك وأحياناً تنتقل المحاكاة كالعدوى، فتنتقل الضاحية إلى الصالة. هنا لا يلعب الممثل إلا على هذا النحو.

المسرح هو الخطوة التي تحقق هذا الانتقال، بأي شكل كان. أحياناً تكفي اللهجة والحركة، يكفي الإيعاز. ليس في هذا قصد سيئ. في الضحك من الفلاحة أو المتفرنسة أو الفوال أو الأب المتجهم نوع من الاستلطاف، من الاستظراف، من يضحك من شيء كهذا يضحك من الحياة ومن الأشخاص ومن نفسه أولاً.

ولكن نقول هكذا ونعني أن الممثل على المنصة يستحضر أكثر مما يلعب، يحاكي أكثر مما يبتكر، الناس هنا تضحك من نفسها وأحياناً يتسم هذا الضحك بإيحاءات سياسية جريئة تضحك من الشعب، ومن المتكلمين باسم الشعب. يمكننا هكذا أن نقول إن المسرح شعبي.