القيادي الفلسطيني محمد دحلان (أرشيف)
القيادي الفلسطيني محمد دحلان (أرشيف)
الإثنين 19 نوفمبر 2018 / 20:20

ذلك الرجل الغامض!

تابعت كغيري أخبار مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في اسطنبول، وتأثرت كغيري بالتفاصيل الدرامية التي نقلتها القنوات الفضائية، والصحف في تغطياتها المتواصلة لهذه القضية، وأعرف كغيري من الصحافيين إغواء التغطية لهذه القضية بكل ما فيها من إثارة وجذب للمشاهد أو القارئ، خاصةً أن الإعلام التركي والأمريكي وبعض الإعلام العربي اعتمد الإثارة في كشف ملابسات القضية واعتمد التشويق في أسلوب الكشف الذي حول الخبر إلى مسلسل درامي تتوالى حلقاته بتعاقب مقصود.

لماذا لا يكون دحلان وراء فوز دونالد ترامب في انتخابات الرئاسة الأمريكية؟ ولماذا لم يعلن الإخوان المسلمون أنه وراء التدخل الروسي في هذه الانتخابات؟

وظننت كغيري أن كل التفاصيل باتت معروفة، وأن لا جديد متبقياً فيها غير محاولات الاستثمار والابتزاز السياسي، لكن ظني لم يكن في محله، فقد رأى البعض أن شحنة الإثارة لم تكن كافية وأنه لا بد من تبهير القصة وإضافة عناصر تشويق جديدة إليها، وإقحام اسم جديد مستهدف دائماً بافتراءات الإخوان وجماعة أردوغان، وهو بالنسبة لهم "المتهم المناوب" في التسبب بكل كوارث الكون.. أعني القيادي الوطني الفلسطيني محمد دحلان الذي نادراً ما يغيب اسمه عن أي قائمة ادعاء إخوانية، حتى صار اتهامه لازمة ثابتة في البيان الإخواني، فهو الذي ساهم في إسقاط حكمهم في مصر، وأضعف حكمهم في تونس، وحاصر ميليشياتهم في ليبيا، وتآمر عليهم وعلى مسلحيهم في سوريا، وتسبب في انهيار الليرة التركية، وربما يكون هو لا غيره وراء رفض عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي، والتذكير بمسؤوليتها عن إبادة الأرمن!

لذا لم يكن مفاجئاً أن تدعي صحيفة تركية مشاركة دحلان في قضية خاشقجي وإرساله مجموعة من عناصره إلى اسطنبول لمحو آثار قتل الخاشقجي وإزالة الأدلة!

رغم غرابة ادعاء الصحيفة وجدت قصتها من يروج لها وقفزت قناة الجزيرة، كعادتها إلى تبني هذا الادعاء المفضوح، مثلما فعلت قناة أخرى محسوبة على قطر وممولة من الدوحة هي قناة "العربي"، والمقصود بالعربي هنا هو طبعا "المفكر العربي الكبير" عزمي بشارة الذي يحتكر العروبة كلها بمواقف قومية تنقله من خندق ممانعة الشام إلى خندق تطبيع الدوحة برؤية عبقرية تشرعن الزواج العرفي بين إسلاميي العصر الأمريكي وتقدميي المرحلة الربيعية.

بالطبع، لا يصدق عاقل هذا الادعاء الصحافي الذي يجيء في سياق الاستثمار السياسي التركي للجريمة.

لكن أصحاب الرؤوس الحامية المحكومين بأحاسيس مريضة وضغائن سوداء يهرعون إلى تبني هذا السيناريو من أجل الانقضاض ليس على محمد دحلان فقط، ولكن على الوطنية الفلسطينية التي حالت ولا تزال تحول دون أخونة القضية الفلسطينية التي لا يمكن أن تخرج عن محدداتها الوطنية.

لكن، وبعيداً عن العقل، دعونا نحاول تصديق الادعاء الكاذب، وتخيل امتلاك هذا "الرجل الغامض" لكل هذه القدرة الجبارة التي تمكنه من التحكم بالإقليم كله، ورسم سياسات المنطقة، وإشعال الصراع فيها وتحديد بدايات ونهايات الحروب... ألا يجعله كل ذلك أسطورة حية؟!

وإذا كان دحلان يملك كل هذه القوة وكل هذا النفوذ الذي يظهره الإعلام الإخواني وكأنه متفوق على الدول، لماذا لا يكون مسؤولاً أيضاً عن قضايا أخرى في الإقليم وفي العالم، مثل قضية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي مثلاً؟ وكيف استطاع توجيه الرأي العام البريطاني في التصويت لصالح الخروج وتمكن من تفصيل نتائج الاستفتاء لتقود إلى البريكست؟

لماذا لا يكون دحلان وراء فوز دونالد ترامب في انتخابات الرئاسة الأمريكية؟ ولماذا لم يعلن الإخوان المسلمون أنه وراء التدخل الروسي في هذه الانتخابات؟

دعونا نتواضع قليلاً ونسأل إعلام الإخوان: لماذا لا تكشفون أسرار مسؤولية دحلان عن إشعال حرائق كاليفورنيا؟ ولماذا لم تعلنوا مثلاً وصول عناصر دحلانية إلى الولايات المتحدة وبحوزتهم كراتين مملوءة بعلب الكبريت قبل اشتعال الحرائق بيومين؟

في زمن الإثارة الإخوانية يبدو العقل غائباً تماماً، وتُمهَر الأكاذيب بتوقيع المنابر الإعلامية التي تبحث عن كل شيء إلا الحقيقة.