الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات (أرشيف)
الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات (أرشيف)
الثلاثاء 20 نوفمبر 2018 / 21:00

الوجوه الخمسة لذكرى عرفات

جهاد الرنتيسي

حال التصعيد الإسرائيلي في غزة دون الوقوف أمام الوجوه الخمسة التي أطل بها الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات في ذكرى رحيله الرابعة عشرة ليضع الفلسطينيين مجدداً أمام ضرورات فهم مختلف لحقيقة وبدايات التآكل والتشظي المختلف على بداياته ومآلاته.

الحضور الملتبس لذكرى رحيل عرفات مؤشر آخر على انحسار إمكانيات الاستمرار في استخدام الإرث السياسي الفلسطيني للهيمنة على مكونات المشهد الأمر الذي يعني خسارة قيادة السلطة لإحدى أدواتها التقليدية

أبرز هذه الوجوه محاولة قيادة السلطة الفلسطينية الالتفاف بكوفية الرئيس "الرمز" لمواجهة خصومها وتكريس شرعية تتزايد الشكوك حولها مع تحول "المصالحة" مع حركة حماس من مشروع إلى شعار ممجوج، فاقد للدلالات وغياب بعض فصائل منظمة التحرير عن اجتماع المجلس المركزي الأخير، لتندرج المظاهر الاحتفالية في إطار نبش الإرث السياسي بحثاً عن مقومات البقاء.

في المقابل، وجدت بقايا قوى المعارضة اليسارية في ذكرى رحيل عرفات فرصتها للمقارنة بين عهدين والمزايدة على القيادة المتنفذة التي لم تترك لشركائها اليساريين هامش مناورة أو حصة تذكر في سلطة شكلية خاضعة للاحتلال، لكن نجاح هذه القوى في سحب البساط من تحت أقدام الرئيس محمود عباس وإحراجه بقي محدوداً في الأجواء التي شهدتها رام الله.

تعدد أسباب التذمر من الأوضاع الاقتصادية، والمعيشية، والسياسية في الشارع الفلسطيني لم يحل دون التقاء المتذمرين عند شعور الحنين إلى زمن مضى، باعتباره أفضل من الزمن الراهن، لكن فقدان القطاعات الشعبية الثقة بقوى اليسار وممارساتها أبقى هذه النوستالجيا بعيدة عن التجيير والتوظيف.

البعد الديني والأخلاقي كان حاضراً بين الأوجه الخمسة التي أطل بها عرفات حيث تعامل البعض مع الذكرى على قاعدة "اذكروا محاسن موتاكم" التي أعطت جرعةً إضافيةً لاجراء المقارنة بين العهدين لا سيما وأن ذكر محاسن الماضي يُسلط الضوء على قساوة وصعوبة الحاضر والأطراف التي ساهمت في صناعته أو أعاقت فرص تجاوز اختلالاته.

لم تحل استخدامات ذكرى رحيل عرفات والاسقاطات التي رافقتها، دون تجاوز بعض أصوات النخب الفلسطينية لأسقف التفكير التقليدي، المحددة بحكم العادة أو الحرص على بقاء قواعد اللعبة الداخلية، والبحث في جوهر وجذور المأزق الفلسطيني المركب وتاريخية الأزمة، وانتهي التجاوز عند تأكيد مسؤولية الزمن العرفاتي منذ بدايته عن توفير الأرضية الملائمة للانهيارات اللاحقة، ولا يعجز أصحاب هذا المنهج النقدي عن إيجاد ما يثبت صحة وجهة نظرهم المستفزة لضعاف الذاكرة في الطيف السياسي الفلسطيني.

الحضور الملتبس لذكرى رحيل عرفات مؤشر آخر على انحسار إمكانيات الاستمرار في استخدام الإرث السياسي الفلسطيني للهيمنة على مكونات المشهد، الأمر الذي يعني خسارة قيادة السلطة لإحدى أدواتها التقليدية، وفقدان اليسار واليمين لمبررات تبعيته لزمن مضى، لكن غياب القدرة على التجديد يفتح الباب على مصراعيه أمام تفاقمات أخرى في المعادلة الداخلية الفلسطينية.