رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي (أرشيف)
رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي (أرشيف)
الأربعاء 21 نوفمبر 2018 / 20:33

رقصة الخروج

فكّرت السيدة تيريزا ماي رئيسة وزراء بريطانيا، أنه كان على البريطانيين قبول رقصها في مُناسبات دبلوماسية، كما كان عليهم قبول مسودة خروج المملكة المتحدة "بركسيت"، من الاتحاد الأوروبي. لماذا لا يعترفون بالأمر الواقع. يصفونني بالضعف، وكأنني جئت بالضعف من الخارج، كلنا ضعفاء في المملكة المتحدة، صيرورة التاريخ، كنا أقوياء، وأصبحنا ضعفاء.

مسودة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، تقع في 583 صفحة، وهي غامضة كنسبية أينشتاين. الوزراء المحافظون الغاضبون، قالوا للسيدة تيريزا ماي: المال لا يحب الغموض. الأعمال لا تحب عدم اليقين

قالت السيدة تيريزا ماي في سرها بضغينة: "صنعوا الفيديو الساخر، في النصف منه مستر بن، الممثل الكوميدي روان أتكينسون، آه لا أحبه، يُطوح يديه وجذعه في الهواء، وفي النصف الآخر رقصتي الطيبة، حسنة النية، التي لم تكن جميلة جداً، لكنها ليستْ بشعة تماماً. يعتقدون أن المملكة المتحدة ما زالتْ تملك زمام نفسها، والتحكم في مستقبلها".

مسودة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، تقع في 583 صفحة، وهي غامضة كنسبية أينشتاين.

الوزراء المحافظون الغاضبون، قالوا للسيدة تيريزا ماي: "المال لا يحب الغموض. الأعمال لا تحب عدم اليقين. إذا كان أينشتاين نفسه انزعج من مبدأ عدم اليقين في فيزياء الكم، فما بالك بالبورصات".

هل هي مسودة خروج أم بقاء؟ ما رأيك في الحالة الضبابية المتعلقة بجبل طارق؟ هددت الحكومة الإسبانية برفض مسودة تيريزا ماي، مُطالبةً بإدخال تغييرات في اللحظة الأخيرة على نص المسودة، قبل انعقاد القمة في 25 نوفمبر (تشرين الثاني) 2018، لتوقيع مشروع المسودة.

الأعمال والبورصات والاستثمارات هل ستعتبر جبل طارق إسبانياً أم بريطانياً؟ حصلت إسبانيا في العام الماضي على بند خاص في متاهات "بركسيت"، ينص على أن جبل طارق لا يدخل ضمن صفقاتٍ بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة إلا بموافقة إسبانيا.

بعد استقالة دومينيك راب وزير "بركسيت"، من حكومة تيريزا ماي، قال: "لا يمكنني التوفيق بين مسودة الاتفاق، وبين الوعود التي قطعناها للبلاد"، ثم بعث رسالةً شخصيةً على الواتس آب، لرئيسة الوزراء تيريزا ماي، قال فيها: "تكرارك للرقص يعني أنك لا تعترفين بالجمال، فالرقص ماؤه الانسجام بين الموسيقى وحركة الجسم، مسودة "بركسيت"، تشبه رقصة غير جميلة، والرقص إذا كان لا يتمتع بالجمال، فهو يتمتع بالبشاعة".

أخبرت تيريزا ماي منتقديها، أن سحب الثقة منها، لن يأتي بشخصية أفضل، لمفاوضات "بركسيت"، بل سيأتي بفوضى سياسية.

 تهديد تيريزا ماي خفض حرارة الانتقاد. وقالت إنها ترفض الاستقالة، وهي مستمرة في تحقيق نتيجة الاستفتاء 2016، والتي عبّرت عن رغبة البريطانيين في الخروج من الاتحاد الأوروبي، وأي استفتاء آخر، يُعتبر التفافاً على الديمقراطية.

أشار ميشيل بارنييه، كبير المفاوضين الأوروبيين، في معضلة طلاق المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، إلى احتمال بقاء المملكة المتحدة في عصمة الاتحاد الأوروبي، إلى نهاية 2022، وهذا يعني أن المملكة المتحدة، ستواصل دفع المليارات للاتحاد الأوروبي، وهذا أيضاً ما يُشعل غضب المحافظين في المملكة المتحدة، ويجعل تيريزا ماي في وضع مُفارق لا تُحسد عليه، وكأن الاتحاد الأوروبي ينتقم من غلطة المملكة المتحدة، التراجيدية، قبل سنتين، حين أعلنت بحماقة عن استفتاء شعبي للخروج من الاتحاد.

أعلن الحزب الديمقراطي الاتحادي الأيرلندي الشمالي، المتحالف مع تيريزا ماي بـ10 أصوات في البرلمان، أنه سيمتنع عن التصويت على قانون المالية، وهذا تحذير صريح، شديد اللهجة، للسيدة تيريزا ماي التي تحكم بصلاحية تحالفها مع حزب الاتحاد الديمقراطي.

تمزق الثقة بين الحزب الديمقراطي الاتحادي، وبين رئيسة الوزراء تيريزا ماي، يقول إن مسودة الخروج، تترك أيرلندا الشمالية في حالة غموض اقتصادي.

آخر ورقة رمتها السيدة تيريزا ماي، في وجه المنتقدين، كانت ورقة الهجرة. وعدت السيدة ماي بأن مسودة "بركسيت"، ستمنع قفز المواطنين من الاتحاد الأوروبي إلى المملكة المتحدة، على حساب المهنيين من أستراليا، والهند مثلاً.

هذه ورقة ثقيلة، تفوح منها رائحة الترامبية الشعبوية، وكأن ورقة الهجرة هي هاجس الديمقراطيين والليبراليين واليساريين، لكنهم يكتمون هذا الهاجس، طالما هناك فرصة لاتهام اليمين الشعبوي، الغشيم، الفظ، المباشر، بمساوئ الفوبيا من العولمة، والانفتاح على الآخر.

كثيرون اعترضوا على ورقة الهجرة الخشنة، الشبيهة بخشونة مفاصل السيدة تيزيزا ماي، وهي تنضال بأطرافها الطويلة، أثناء الرقص، لاقتناص انسجام هارب، مع الموسيقى.

الحقيقة أن العولمة في انهماك صعودها الصاروخي التاريخي، كانت تحطم درجات السلالم خلفها، فلا أحد يستطيع النزول. قالت السيدة تيريزا ماي في دور كبش الفداء: خذوا مسودة الخروج ورقصي، كقربان، كتضحية، من أجل عودة بريطانيا العظمى.