متظاهرون في براغ رفضا لمواقف التشيك ضد فلسطين (أرشيف)
متظاهرون في براغ رفضا لمواقف التشيك ضد فلسطين (أرشيف)
الخميس 22 نوفمبر 2018 / 20:10

العابر على جسر كارل

أسباب الانحسار وضعف الحضور الفلسطيني هنا تعود لعوامل كثيرة، منها، أو أهمها قوة "اللوبي الإسرائيلي" في جمهورية التشيك ونشاطه ونفوذه، تحديدا في وسائل الاعلام، بالمقابل ضعف الأداء الفلسطيني والعربي والارتجال

يمشي برهان قلق، المترجم والمثقف الفلسطيني في شوارع براغ منذ عقود طويلة، واصل المشي بعد تقاعده من العمل في السفارة الفلسطينية، حصل على تعويض نهاية الخدمة الذي تبدد بسبب غلاء المعيشة، ولكنه لم يتوقف عن المشي، ترجم محمود درويش للتشيكية وواصل المشي والعمل، ومحاولة تحقيق اختراق ثقافي فلسطيني في المشهد الثقافي التشيكي، الذي انحسر كثيراً في العقدين الأخيرين، أسباب الانحسار وضعف الحضور الفلسطيني هنا تعود لعوامل كثيرة، منها، أو أهمها قوة "اللوبي الإسرائيلي" في جمهورية التشيك ونشاطه ونفوذه، تحديداً في وسائل الاعلام، بالمقابل ضعف الأداء الفلسطيني والعربي، والارتجال وغياب الفعالية الحقيقية المبنية على قراءة لتبدلات الواقع، وبناء اقتراحات عمل تنسجم مع المتغيرات.

الحقيقة يكاد يكون هذا حال معظم البعثات الديبلوماسية الفلسطينية، مع الاحتفاظ باستثناءات طبعاً، وهي ممثليات افتقرت بشكل ملفت لفهم التحولات، الثقافية على وجه الخصوص، التي نشأت في شرق أوروبا بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وتفكك المنظومة الاشتراكية.

هذا الافتقار كان محصلةً طبيعيةً لزمن طويل من الاسترخاء والخمول، وضيق المخيلة، وغياب الكوادر القادرة على التواصل مع الشرائح الثقافية الفاعلة في مجتمعات شرق أوروبا، والتي قادت التحولات العميقة وساهمت بقوة في التخلص من سطوة الأحزاب "القائدة".

البنية التي اتكأت عليها الممثليات الفلسطينية، والدعم الراسخ والروتيني الذي كانت تتمتع به وتحصل عليه من الجهات الرسمية دون جهد يذكر، ودون أفكار أو خطط أو تصورات، أو أسئلة.... انهار تماماً مع انهيار الأنظمة.

وبدا أنها في صبيحة اليوم الذي تلا الانهيار، تستيقظ في مكان مختلف كلياً ودون خبرات يُمكن الاعتماد عليها، لقد وجدت نفسها أمام حقائق جديدة لم تفكر فيها، وأمام مجتمعات لم تفكر في محاولة فهمها، أو تأمل التيارات العميقة التي تتحرك داخلها.

كانت مستسلمةً فيما يشبه غيبوبة لسكون الأشياء وثباتها، ومتجهة بكليتها نحو هياكل السلطة المتنفذة وأفكار السطح وتياراته الساذجة التي تمثلها عبر هرمية متهالكة من المراتب الحزبية. شيء يشبه السعدة في تبادل البؤس.

لذلك بدت غريبة ومصدومة ومعزولة أمام الواقع الجديد الذي صعد الى السطح مثل كوكب اكتمل انجازه عبر تراكم الاحتجاج، والغضب، والبحث عن الحرية.

يمشي برهان منذ عقود طويلة في براغ، سيكون صعباً عليه العودة إلى سوريا مكان لجوء عائلته الأول بعد خروجهم من حيفا، كان في الثالثة من عمره حينها، بينما كان شقيقه عز الدين قد تجاوز العاشرة، عز الدين القلق، ممثل منظمة التحرير الفلسطينية في فرنسا الذي اغتاله الموساد في مكتبه في باريس عام 1978.

سيزور حيفا للمرة الأولى وهو في السبعين وسيأخذه أصدقاء الى مرآب سيارات، هنا كان بيت آل القلق يا برهان.

في براغ يواصل، برهان، تنظيم فعاليات ثقافية بامكانيات تصل الصفر مع أصدقاء من الفلسطينيين، حيدر ومصطفى، هو والناشطة التشيكية بترا.

بترا،  كانت ضمن المتضامنين الأجانب الذين شاركوا في اعتصام قرية باب الشمس قريباً من القدس ثم في بورين في شمال الضفة، وقد منعتها سلطات الاحتلال من العودة الى فلسطين لعشر سنوات.

قبل أسبوع كان هناك احتفاء خاص وناجح بذكرى محمود درويش بمشاركة شعراء من العالم، واليوم ستكون أمسية فلسطينية ضمن المهرجان الدولي للشعر، مشاركات اعتمدت على تطوع المشاركين والمنظمين وتخلت عن رفاهية الضيافة.

أفكر بهؤلاء جميعاً الذين يصنعون شيئاً في هذا المكان الجميل والصعب، وأنا أتخيل برهان القلق وهو يعبر جسر "كارل/تشارلز" في براغ، متجهاً نحو مقهى على الضفة الثانية من النهر، حيث سنلتقي بعد قليل، بمعطفه البني ومشيته العنيدة التي لا تضعف.