انتشار أمني في محيط معبد تري أوف لايف اليهودي في بنسلفايا.(أرشيف)
انتشار أمني في محيط معبد تري أوف لايف اليهودي في بنسلفايا.(أرشيف)
الأحد 25 نوفمبر 2018 / 20:00

تكريس الذعر من الإرهاب بدعوى مقاومة الملل

حتى وإن تفشّى وتكرّس الذعر من الإرهاب، من جانب شخص مريض، وبدافع مقاومة الملل، ستجد أن اتهام العربي جاهز وفي الانتظار

مر الخبر، قبل أيام قليلة، بطريقة عابرة تماماً، وضاع في زحمة الأخبار، ولم يتوقف أحد للتفكير فيما ينطوي عليه من تداعيات تتجاوز الفعل والفاعل، ولم يتحوّل إلى موضوع رئيس في منابر الإعلام. خلاصة الخبر أن محكمة، في تل أبيب، حكمت على شاب يحمل الجنسيتين الإسرائيلية والأمريكية، بالسجن عشر سنوات بتهمة الابتزاز، وإشاعة أخبار كاذبة، وإثارة الذعر، في مدن أمريكية مختلفة، منذ 2015 وحتى القبض عليه في مارس (آذار) 2017.

وفي التفاصيل: أن المُدان أشاع، خلال الفترة المذكورة، قرابة ألفي إنذار كاذب من وجود قنابل وعبّوات ناسفة في مدارس، ومستشفيات، ومراكز ومنشآت يهودية في الولايات المتحدة، بما فيها السفارة الإسرائيلية في واشنطن، والقنصلية في ميامي، إضافة إلى مراكز تسوّق، ومطارات، وتمكّن من جني مبالغ مالية طائلة.

وفي التفاصيل، أيضاً: أنه فعل ذلك باستخدام تقنيات متطوّرة، بما فيها تعديل الصوت، لإجراء اتصالات هاتفية يصعب اقتفاء مصدرها. وقد أدت الإنذارات الكاذبة علاوة على إثارة الذعر، إلى إخلاء مدارس ومستشفيات، ومراكز متعددة الأغراض، ووصل الأمر حد إلغاء رحلات، وإرغام طائرات على الهبوط الاضطراري، بعد تفريغ خزانات الوقود، أو إخلاء طائرات من الركّاب قبل الإقلاع.

الغالب بين كل تلك الأهداف أنها يهودية. ومن الواضح أن الأمريكيين أخذوا تلك التحذيرات على محمل الجد، وأدرجوها في خانة العداء للسامية، وقد كان هذا، على الأرجح، في ذهن المذكور، الذي طالب السلطات المعنية بوضع مكافآت مالية في حساب بالعملة الرقمية مقابل الإدلاء بمزيد من المعلومات عن التحذيرات الكاذبة.

وفي سياق كهذا يمكن القول إن الشاب الإسرائيلي أصاب أكثر من عصفور بحجر واحد: ضرب على وتر العداء للسامية، وهو وتر حسّاس جداً، واستغل الخوف من موجة الإرهاب التي تضرب في أماكن مختلفة من العالم، وجنى أموالاً طائلة عن طريق الابتزاز، ناهيك عن الإشباع النفسي، فقد ذكر للمحققين بعد الاعتراف بارتكاب كل تلك الجرائم، أنه فعل ذلك بدافع الملل.

هذا على مستوى أوّل من التحليل، ولكن ثمة دلالات أبعد، ومنها: أن موجة الإرهاب، وما تثيره من ذعر وفوضى واختلاط أوراق في مناطق مختلفة من العالم، يمكن أن تتغذى وتستمد مصادر إضافية للخوف نتيجة مغامرات، ومضاربات، وجنوح أشخاص يجدون فيها مصدراً للربح، والإشباع المرضي للذات، أو حتى كنوع من الترفيه، ومقاومة الملل.

ومن الدلالات، أيضاً، أن أيديولوجيا كراهية الآخرين لليهود من المكوّنات المركزية في الهوية والثقافة الإسرائيليتين، وهذا ما تعززه مناهج التعليم الرسمية، وأجهزة الإعلام، والديانة المدنية السائدة هناك. وإذا ما نظرنا إلى أيديولوجيا كهذه معطوفة على الحس الأمني الذي يتغلغل في كل مناحي الحياة اليومية للمجتمع الإسرائيلي، وما يسمه من مبالغات، تتضح بصورة أفضل أهمية وضرورة التركيز على الأهداف اليهودية، بالذات، في نظر الشاب الإسرائيلي.

وإلى ما تقدّم ثمة دلالة ينبغي التذكير بها وتتمثل في حقيقة أن أصابع الاتهام، في الغرب، غالباً ما تشير، بعد وقوع أعمال إرهابية، أو التحذير من وقوعها، إلى العرب والمسلمين بشكل عام، وأن جانباً كبيراً من الدعاية التحريضية، والبضاعة الأيديولوجية لأحزاب وحركات اليمين الأوروبي، والشعبويات القومية والعنصرية الصاعدة، في الغرب بشكل خاص، يستهدف تكريس هذا الاتهام، والرهان عليه في معرض التعبئة ضد المهاجرين، والعولمة، وأنظمة الديمقراطية الليبرالية، التي تجابه اليوم تحدياً غير مسبوق منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

واللافت للنظر، أن أحد القرّاء الإسرائيليين، في معرض التعليق على الخبر، الذي نشرته صحيفة "هآرتس" على صفحتها الإلكترونية حول محاكمة الشاب وإدانته، كتب متسائلاً حول هوية الشاب الحقيقية، وما إذا كان من أصول عربية. ولعل في مجرّد طرح سؤال كهذا، وفي مجرّد وجوده، ما يعزز ويستدعي التذكير بكل ما ذكرنا من دلالات، فحتى وإن تفشّى وتكرّس الذعر من الإرهاب، من جانب شخص مريض، وبدافع مقاومة الملل، ستجد أن اتهام العربي جاهز وفي الانتظار.