السبت 1 ديسمبر 2018 / 20:57

كل عام والإمارات بخير

2 ديسمبر حدث استثنائي وليس ككل يوم، فهو العيد الوطني لدولة الإمارات العربية المتحدة العظيمة. الإمارات غالية وسنحتفل بعيدها فرحاً واغتباطاً، لا مجرد إداء لواجب. في هذا اليوم ينبغي لنا أن نستذكر شيئاً من التاريخ لنربط الماضي بالحاضر، فتكتمل الصورة، فكثير من الناس لا يعلم أن تأسيس وقيام الإمارات لم يكن أمراً سهلاً ولا طريقاً مكللاً بالورد والرياحين، بل كان إنجازاً صعباً عظيماً شيدته سواعد الرجال الوطنيين الذين كان لهم حلم كبير فحققوه بالبذل والتضحية والعمل والشجاعة والكرم. منذ أن تولّى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله، مقاليد الحكم في أمارة أبو ظبي في السادس من أغسطس 1966 بدأ في مشروعه الكبير، تطوير أبو ظبي غلى كافة الأصعدة وفي كل مجالات التنمية. نجاحه في هذا المجال، حفزه لحلم أكبر، إلا وهو لم شمل الإمارات الأخرى المتفرقة لتكون وطناً متحداً قوياً يجمع الأشقاء على خيرٍ مشترك.

لم يمض عامان على تولي الشيخ زايد لإمارة أبو ظبي، حتى بدأ في الدعوة لمشروعه السياسي التوحيدي الذي كان من أكبر قضاياه إن لم يكن أكبرها، الدعوة لاتحاد الإمارات. لماذا الاتحاد؟ أجاب الشيخ زايد: "لأن الاتحاد هو طريق القوة وطريق العزة والمنعة والخير المشترك، ولأن الفرقة لا ينجم عنها إلا الضعف، ولأن الكيانات الهزيلة لا مكان لها في عالم اليوم". هذه الكلمات قالها الشيخ زايد في الاجتماع الذي تم بحضوره وحضور الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم حاكم دبي في منطقة السمحة بتاريخ 18 فبراير 1968 في أعقاب إعلان الحكومة البريطانية ذلك العام عن إجلاء جيوشها عن الإمارات المتصالحة في الخليج قبل عام 1971.

إذاً، فالبداية فيما يتعلق بتأسيس الاتحاد المبارك كانت من أبو ظبي، ثم أصبحت أبو ظبي ودبي، وقد تركز اللقاء بين الشيخين الجليلين زايد وراشد على إقامة اتحاد بين الإمارتَين يقوم بالإشراف على الشؤون الخارجية والدفاع والأمن الداخلي والخدمات الصحية والتعليمية، ولم يفتهما بعد النجاح الكبير لهذا اللقاء، أن يتفقا على دعوة الأشقاء حكام الإمارات الأخرى لاجتماع آخر في دبي لمناقشة قيام اتحاد الإمارات العربية المتحدة. ثم اكتمل العقد ببقية الإمارات، وانسحبت قطر والبحرين من هذا المشروع لتكونا دولتين مستقلتين.

وفي عام 1971 اجتمع حكام الإمارات لتدارس المستقبل ومواجهة تحدياته، واتفقوا على إنشاء دولة اتحادية حديثة بعد ثلاث سنوات من العمل المرهق من أجل توحيد الكلمة ولم الشمل، ولا شك أن فارسها الأول هو الشيخ زايد رحمه الله فقد بذل جهوداً استثنائية كبرى لصناعة المستحيل وتذليل الصعوبات وجمع الإمارات التاريخية القديمة لتكوين دولة حديثة بالمعايير السياسية الجديدة لمفهوم الدولة. في ذلك الوقت، كان عدد سكان الإمارات يقارب 180 ألف نسمة، كما كانت هناك بعض الاختلافات بين الإمارات السبع، من حيث المساحة، وعدد السكان، والموارد الاقتصادية، وبجهد حثيث قاده الشيخ زايد اتفق حكام الإمارات على قيام اتحاد بين إماراتهم، وتم تشكيل مجلس أعلى، ليكون السلطة العليا في الدولة الجديدة.

وكان من الطبيعي أن يُجمع شيوخ الإمارات على صاحب مبادرة الاتحاد، الشيخ زايد ليكون رئيساً للدولة منذ تأسيس الاتحاد في 2 ديسمبر 1971 ليعاد انتخابه حتى سنة وفاته رحمه الله في الثاني من نوفمبر 2004 كما تم اختيار الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم الذي شارك الشيخ زايد في صناعة الاتحاد والإنجاز الكبير، ليكون نائب رئيس الدولة منذ إعلان التأسيس حتى سنة وفاته في السابع من أكتوبر 1990.

ومنذ يوم التأسيس وحتى يومنا المجيد هذا، والإمارات تسير في خطوات واثقة رصينة لتكون من أعظم دول العالم، فقد ساهم أبناء الشيخ زايد وأبناء الشيخ راشد في الحفاظ على الإرث العظيم الذي تركه الآباء، وانطلقوا في نهضة شاملة اقتصادية عمرانية علمية، تحتوي على جميع الشروط التي تنطبق على الدولة الحديثة الناجحة، ولا تكتفي بالنهضة العمرانية والنجاح السياحي ومشاريع الواحات الآمنة، بل تؤسس لقيم أخلاقية عظيمة مثل أن تتبنى الدولة نفسها، لا منظمات مدنية ولا جمعيات خيرية، الدعوة للتسامح بين البشر والدعوة لتحقيق السعادة لكل المواطنين والمقيمين بلا استثناء. إنه حق لنا كخليجيين وكعرب أن نفاخر بدولة الإمارات العربية المتحدة، ليس فقط بسبب أنها تحوي أطول برج في العالم، وليس فقط بسبب المراكز المالية والأسواق العالمية الضخمة والأعمال التجارية الناجحة، بل أيضاً نفاخر بتسامح الإمارات، كدولة يعيش فيها كل البشر، على اختلاف أجناسهم وأديانهم ومذاهبهم، في واحة آمنة قامت على التسامح والسلام، وأنهم كلهم يعيشون في ظل دولة تنشر المحبة بين مواطنيها، المواطن والمقيم، كلهم يعيشون ويعملون في أجواء صحية، وفي ظل حماية القانون، دون خوف ولا تعصب عرقي ولا كراهية ولا تمييز عنصري أو تفرقة بناء على لون أو دين أو طائفة أو عرق.

دولة الإمارات، حب كبير لا يزداد إلا عمقاً ورسوخا، وفي كل عام سنكون حاضرين، لنقول لأهل الإمارات قيادة وشعباً كل عام وأنتم الإخوة الذين لا يسبقهم أحد، ولنقول لأم الخير، كل عام وأنت بخير، كل عام وأنت العشق، كل عام وأنت في عز وشموخ وتقدم بل وتحليق نحو مصاف النجوم.