الرئيس الفلسطيني محمود عباس وزعيم حماس  السابق خالد مشعل (أرشيف)
الرئيس الفلسطيني محمود عباس وزعيم حماس السابق خالد مشعل (أرشيف)
الثلاثاء 4 ديسمبر 2018 / 20:04

لعبة الكراسي الموسيقية

تستدعي محاولات تسليك قنوات الحوار بين حركتي فتح وحماس الفلسطينيتين، في بعض جوانبها وإيحاءاتها، لعبة الكراسي الموسيقية التي لا يجد اللاعب فيها مقعداً بحضور الآخر ما يضطره إلى مغادرة اللعبة، ويستمر خروج اللاعبين على وقع الموسيقى وانقطاعها، لتستقر الأمور على فوز لاعب واحد بالكرسي الأخير.

الحضور الدائم لإخفاقات جهود الوساطة والمخاوف التي يبديها البعض من المحاصصة يكرسان قناعة بعبثية ونمطية فكرة "إعادة البناء" التي اعتاد بعض النخب الفلسطينية ولا سيما اليسارية منها طرحها

فتح من ناحيتها حريصة على تأبيد سيطرتها المهددة بالزوال على المشهد الفلسطيني وتعتبر ذلك حقاً مكتسباً بعد عقود من الهيمنة على شركائها في منظمة التحرير، ولا يخفى عليها أن فلتان خيوط الهيمنة من بين أصابعها يعني خسارة دورها شريكاً سياسياً مفترضاً للجانب الإسرائيلي.

تتقاسم حماس هذه العقدة مع فتح، فهي ترى في نفسها نداً لديه مشروعه السياسي والعقائدي المختلف عن مشروع المكونات التقليدية لمنظمة التحرير، ويقودها هذا الفهم إلى رفض الانحشار في دائرة التبعية والتهميش الذي قبلت به قوى أخرى في مراحل مختلفة تحت يافطة الوحدة الوطنية.

التوازنات الراهنة تغذي تجاذبات طرفي المشهد ففي الوقت الذي تعجز فتح عن فرض إرادتها كما جرت العادة في تعاملها مع رفاق الدرب والمسيرة، أو إخراج مشروع الدولة المستقلة من عنق الزجاجة،  تتجه الأنظار نحو المرحلة الثانية من التهدئة بين حماس وإسرائيل وما تثيره من ريبة لدى الأطراف الفلسطينية الأخرى.

يزيد الطين بلة أن الحركتين لا تخلوان من فئات مستفيدة من الانقسام كما تدرك الحركتان حقيقة قدرة الجانب الإسرائيلي على المناورة لضبط الإيقاع الفلسطيني المرتبك والتأثير في مآلات العلاقات الداخلية الفلسطينية، وإن كانتا تصران على التواطؤ مع هذا المعطى بالتكتم عليه وإبقائه في حساباتهما .

تموضعات اليسار لا تخرج عن تنميط اللعبة فقد اعتاد على دفع فواتير المصالحة، ويتقن المتصارعان الرئيسيان استخدامه في أجواء الانقسام للاستقواء به على بعضهما ولايمتلك الكثير من الأوراق .

من بين تقاليد لعبة الكراسي الموسيقية في المشهد الفلسطيني توسيع هامش التلاعب بالألفاظ والمصطلحات، وإتاحة شروط دوران عجلة الديماغوجيا، لكن ذلك لا يحول دون ظهور الفوارق بين "المصالحة" و"الوحدة الوطنية" على اعتبار أن الأولى تخص الفصيلين الكبيرين وحدهما وتسقط باقي القوى من حساباتها، فيما تدلل الثانية على حضور عموم المكونات.

الحضور الدائم لإخفاقات جهود الوساطة والمخاوف التي يبديها البعض من المحاصصة يكرسان قناعة بعبثية ونمطية فكرة "إعادة البناء" التي اعتاد بعض النخب الفلسطينية ولا سيما اليسارية منها، طرحها كلما هبت الريح على البنية الهشة لمعادلة العلاقات الداخلية، ما يفسح المجال امام فرضية "الفك والتركيب" التي لم تكن تحظى بالقبول نتيجة إصرار القوى على الاحتفاظ بمكتسباتها ولا تفتقر اليوم لروافع سياسية تتكئ على متغيرات شروط اللعبة.