متظاهرون ضد قانون الضمان الاجتماعي في الضفة الغربية (أرشيف)
متظاهرون ضد قانون الضمان الاجتماعي في الضفة الغربية (أرشيف)
الخميس 6 ديسمبر 2018 / 20:16

حكومة فلسطين العنيدة

لا يمكن فهم "عناد حكومة الحمدالله" وإصرارها على توتير الأجواء في بلد يخضع للاحتلال في كل شيء تقريباً، وفي ظروف سياسية واقتصادية بالغة التعقيد، عبر تنفيذ القانون بطريقتها ورؤيتها الاستعلائية

عشية يوم الخميس الماضي بدأت مجاميع من الناس الوصول الى "دوار المنارة" في وسط رام الله، مجاميع قادمة من مدن وقرى الشمال والجنوب والقرى المحيطة بالمدينة، موظفون وعمال من القطاعين الخاص والحكومي، كان الهدف المعلن هو الاعتصام في وسط المدينة احتجاجا على "قانون الضمان الاجتماعي"، غير بعيد عن مقر حكومة رامي الحمدالله التي تستعد للشروع في تطبيق القانون، وعلى مرأى من مربع "المقاطعة" أين يقع مكتب الرئيس "أبو مازن".

سبق الاعتصام الذي سيمتد حتى مساء السبت حيث سينضم للمحتجين العمال الذين يعملون في مناطق الـ 48، سلسلة طويلة من الفعاليات الاحتجاجية شملت مختلف مناطق الضفة الغربية كانت تصب في معظمها في رام الله، الفرق هذه المرة هو أن الحافلات لن تستدير عائدةً مساء بعد اختتام المظاهرة، كما جرت العادة، ولكن في تواصل الاعتصام في مركز المدينة لثلاثة أيام.

البعض اصطحب أطفالهم وافترش الأرصفة المحيطة والمتفرعة من الدوار باتجاه "الحسبة" حيث تصل الخضار والفواكه يومياً من مختلف مناطق الضفة الغربية، وتصل مبكرات فلاحات من القرى القريبة يحملن منتوج الحواكير وحدائق البيوت ونباتات التلال، أو شارع "ركب" الذي أخذ اسمه من محل شهير لبيع المثلجات، أو "شارع الإرسال" الذي ارتبط اسمه بأبراج الإذاعة التي أقامها البريطانيون في ثلاثينيات القرن الماضي.

في الليل واصل المعتصمون التظاهر على مرأى من رجال الأمن الذين لم يتدخلوا واكتفوا بالمراقبة، وفي يوم الجمعة كان يمكن مشاهدة بعض الخيام وملاحظة الانضباط الذي تميز به الاعتصام بالتوازي مع تصاعد مطالب المعتصمين، مطالب وصلت إلى الدعوة لإلغاء القانون ومطالبة باستقالة الحكومة.

يتضح مع كل تصعيد شعبي ضد "قانون الضمان الاجتماعي" الذي أقرته الحكومة الفلسطينية، أن جوهر الأزمة المتصاعدة بين أغلبية شعبية تتزايد وتتنظم باستمرار، وبين حكومة رامي الحمدالله، ليست في القانون، رغم إشكاليته، ولا في مواده، بعضها يبدو مرتجلًا، ولكن في غياب الثقة.

ولعل ما عزز هذه الأزمة وفاقمها هو الطريقة التي تعاملت فيها الحكومة الفلسطينية مع الملاحظات المرفوعة في وجه القانون، وهذا يشمل وسائل الترويج التي من المفترض أن تمهد لوضع مثل هذا القانون بالغ الأهمية والحساسية موضع التطبيق.

ببساطة يتردد الناس كثيراً في تسليم مدخرات عمرهم وثمرة سنوات العمل الطويلة والقاسية غالباً، لحكومة لا يثقون بحكمتها.

مساء السبت، اليوم الثالث للاعتصام، قامت مجموعات من الشباب، المعتصمين، بتنظيف المكان قبل أن يغادروا إلى أعمالهم، متوعدين الحكومة بالعودة في تصعيد آخر إذا واصلت تجاهل المطالب الشعبية، وأصرت على موقفها في تنفيذ القانون دون اجراء التعديلات التي تلبي مطالبهم، في حين كانت تسمع بوضوح مطالبات بإلغاء القانون من أساسه.

لا يمكن فهم عناد حكومة الحمدالله وإصرارها على توتير الأجواء في بلد يخضع للاحتلال في كل شيء تقريباً، وفي ظروف سياسية واقتصادية بالغة التعقيد، عبر تنفيذ القانون بطريقتها ورؤيتها الاستعلائية، رغم أنه يمسّ مباشرة معيشة الناس، ولا يحظى برضا الأغلبية الساحقة من الشرائح الاجتماعية التي يستهدفها، قانون تحيط به الشكوك من كل جانب، النص والأسلوب والتوقيت والغايات.

عناد يبدو كوميدياً تماماً، وغير مسؤول.