مشروع عقاري متوقف في لبنان (أرشيف)
مشروع عقاري متوقف في لبنان (أرشيف)
الأحد 9 ديسمبر 2018 / 14:54

لبنان: القطاع العقاري قاب قوسين أو أدنى من الانهيار

مبانٍ قيد الإنشاء مهجورة، أبراج فارغة، وعمارات ارتفعت أعمدتها فقط، أمثلةٌ عن مشاريعَ عقارية تَوقفَ بناؤها أو الإقبال على شرائها، في ظل أزمة تهدد بانهيار قطاع لطالما شكل أبرز ركائز الاقتصاد المتداعي أساساً في لبنان.

شهد القطاع العقاري طفرة غير مسبوقة بين 2008 و2011، أدت إلى ارتفاع الأسعار بشكل جنوني، قبل أن يتوقف النشاط مع اندلاع النزاع في سوريا المجاورة.

وتراجع الطلب محلياً، وأحجم المغتربون اللبنانيون والخليجيون الأثرياء، الذين كانوا في أساس هذه الطفرة، عن الشراء بعد الأزمات السياسية المتلاحقة، والاضطرابات الأمنية على وقع النزاع السوري.

وأضيف إلى ذلك تراجع أسعار النفط منذ العام 2014.

وبسبب الجمود، لا تجد آلاف الشقق السكنية التي بنيت في السنوات الماضية من يشتريها، واضطر كبار المطورين العقاريين إلى وقف العمل في مشاريع ضخمة، مع بداية الأزمة.

ويقدر الخبير العقاري لدى شركة أرامكو للاستشارات العقارية غيوم بوديسو، وجود "نحو 3600 شقة غير مباعة حالياً في بيروت الإدارية وحدها".

ويمكن معاينة هذا الواقع بجولة ميدانية على بعض المشاريع.

في مقابل مرفأ بيروت، يشرف مبنى "الساحل" الفخم على البحر والسفن الراسية هناك.

ورغم انتهاء بنائه في 2014 بيعت شقتان فقط من إجمالي 21، مساحة كل واحدة منها 500 متر مربع.

ويقول مالك المبنى، حسين عبدالله: "عندما بدأنا الأشغال في العام 2010، كان الوضع مختلفاً كلياً".

ويوضح أنه أضطر إلى التنازل عن 8 شقق لصالح أحد المصارف لتسداد ديونه.

على بعد عشرات الأمتار عدة، توقف العمل بشكل كلي منذ عامين في مشروع آخر، بعد إنهاء بناء هيكله الخارجي فقط.

ويشرح مالك المشروع، متحفظاً على ذكر اسمه "بعنا شقة واحدة على الخريطة"، موضحاً أنه ولجذب الزبائن، خُفض سعر المتر المربع الواحد من 4 آلاف الى 3200 دولار أمريكي "دون أن يكون لذلك اي تأثير على المبيعات".

وتقر سيدة الأعمال، ميراي شوفاني، من مشروع "باب بيروت" الفخم في قلب العاصمة بأن "الطلب في السوق يكاد يكون معدوماً".

منذ منتصف 2015، توقف العمل في هذا المشروع، واقتصر البناء على إنجاز دعائمه فقط، بينما تحيط به أبنية عصرية وجديدة لكنها في معظمها غير مأهولة.

وتوضح شوفاني: "قررنا التوقف حتى نرى كيف سيتطور الوضع".

ولا يسري الجمود في القطاع العقاري على العاصمة فحسب، ففي محافظة النبطية، جنوباً مثلاً، انخفضت المبيعات 19.2% في الأشهر العشرة الأولى من العام الحالي مقارنةً مع الفترة ذاتها من 2017، وفي محافظة الشمال، تراجعت بـ 19.4% في الفترة ذاتها، وفق احصاءات السجل العقاري.

وعلق المصرف المركزي، منذ مطلع العام منح قروض سكنية مدعومة لذوي الدخل المحدود، في خطوة يثير استمرارها المخاوف من أزمة سكن خاصةً في صفوف الشباب، وتراجع الطلب المتباطئ أساساً.

ويقول مروان، وهو موظف في أحد المصارف: "وقعت عقد شراء شقة في يناير(كانون الثاني) لأعلم في اليوم اللاحق بتعليق القروض المدعومة".

وينص العقد الذي وقعه الشاب على أن يسدد 20 في% من قيمة ثمن الشقة، دفعة أولى.

ويقول: "أعتمد على القرض لأدفع 80% المتبقية، والآن أخشى أن أخسر المبلغ الذي سددته دون أن أحصل على الشقة" إذا لم يعد المصرف المركزي منح القروض المدعومة.

وتزامن رفع الدعم عن القروض السكنية مع ارتفاع معدلات الفوائد المصرفية، بسبب الاضطراب السياسي مع الفشل في تأليف حكومة منذ 6 أشهر، والمخاوف من انهيار سعر صرف الليرة اللبنانية.

وتتخطى نسبة الفوائد راهناً 10% الأمر الذي يخفف من الاقبال على الاقتراض.

ويثير احتمال تدهور إضافي في القطاع العقاري، المخاوف على القطاع المصرفي، الذي يعد أيضاً من الدعامات الرئيسية للاقتصاد اللبناني.

ويشير مصدر مصرفي إلى تأخير سداد الديون العقارية لصالح المصارف، التي تعيد جدولة البعض منها، في وقت يتعين على المطورين العقاريين والمشترين تسديد نحو 24 مليار دولار للمصارف، ما يشكل أكثر من ثلث القروض للقطاع الخاص.

ويتحدث الأستاذ الجامعي المتخصص في العقارات، جهاد حكيّم لفرانس برس عن "بداية انهيار" في قطاع العقارات، معتبراً أن كل المساعي للحد من تفاقم الأزمة ليست إلا محاولة "للتغطية على انهيارات حاصلة أو محتملة".

وفي مسعى لتفادي سيناريو كارثي، أطلق مصرفيون وشركات عقارية في أكتوبر (تشرين الأول) منصة للاستثمار العقاري بـ 250 مليون دولار في مرحلة أولى، هدفها شراء عدد من الشقق التي تعثر بيعها.

ويوضح رئيس هذه المنصة مسعد فارس، أن هدفها "شراء أكثر من 200 شقة في بيروت الكبرى وبيعها في الأسواق الخارجية" لا سيما للمغتربين اللبنانيين.

إلا أن الاستثمارات المتوقعة تشكل أقل من 10% من إجمالي الشقق غير المباعة في بيروت وحدها والمقدرة قيمتها، وفق ما يوضح وائل الزين، المدير العام، لـ"لوسيد انفستمنت بنك" المشاركة في المنصة، ما "بين 2.5 و3.5 مليار دولار".

ويقول الزين إنها "طوق نجاة لتجنب الغرق في انتظار إشراقة سياسية".