رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري والوزير السابق وئام وهاب.(أرشيف)
رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري والوزير السابق وئام وهاب.(أرشيف)
الثلاثاء 11 ديسمبر 2018 / 19:58

شرخ في الداخل

لا يستطيع ظرف طارئ أو مدبر أو عفوي أن يقيم عداوة بين السنة والدروز، أو أن يقسم الدروز إلى دروز جنبلاط وخصوم جنبلاط، فالزعامة الجنبلاطية لا تهتز لمثل هذه الحوادث، وقد تشتد الشوكة الجنبلاطية بسببها

لم يكن متوقعاً الإشتباك الذي جرى في لبنان بين "حركة المستقبل" برئاسة سعد الحريري ووئام وهاب الوجيه الدرزي. الإشتباك ولو تمّ بين أقلية من الطائفة الدرزية وزعامة السنّة اللبنانيين، لا يمكن أن يندرج في الصراعات الطائفية اللبنانية، فالدروز الذين يحمّلون النظام السوري مسؤولية مصرع الزعيم الدرزي اللبناني كمال جنبلاط، والسّنة الذين يحمّلون النظام السوري مسؤولية مصرع الزعيم السنّي رفيق الحريري، ويضعون جزءاً من ذلك على عاتق حلفائه، ليسوا خصوماً للسُّنة وهم أقرب إلى التحالف معهم، وكان لهذا التحالف أكثر من مناسبة ولا يزال الزعيم الدرزي وليد جنبلاط في ركن التحالف مع الحريري، ولو بدا هذا التحالف أحياناً رهن أخذ وردّ. إلاّ أن في النهاية يجمع الدروز والسّنة اللبنانيين، لا الثأر المشترك فحسب، ولكن المعسكر السياسي في علاقته بالداخل والخارج. فرغم محاذير وليد جنبلاط لا يزال تحالف الطرفين قائماً مع المملكة السعودية وهو تحالفٌ يضم أطرافاً مختلفة طائفياً إذ انضم إليه، إلى جانب الدروز والسّنة طرف نافذ مسيحي هو «القوات اللبنانية». بذلك نصل الى معسكرات مختلطة طائفياً على مستوى الخارج والداخل، وإن كانت على استعداد لانقسام الطائفة نفسها وانضمام أقلية منها إلى المعسكر الآخر.

ليس الإشتباك بين وئام وهاب والحريرية السياسية متوقعاً وليس خلفه أي مقدّمات، وإن كان يمكن ردّه إلى الصراع على الوزارة. فالأرجح أن وهّاب يشعر أن لا يدَ له في النزاع عليها وفي تحاصصها وتنوع أطرافها، فقد استطاع وليد جنبلاط إخراجه وهو الوزير السابق، من معركة الوزارة. كما أخرج أيضاً أرسلان. وليد جنبلاط الحريص على وحدة الطائفة، لم يكن هذه المرة في الحرص ذاته، فلم يشأ شراكة مع أطراف ذات خصومة سياسية، الأمر الذي ارتضاه في ماض قريب، عندما وسّط أرسلان بينه وبين حزب الله واستطاع هكذا أن يوفر على نفسه وعلى طائفته عداوة حزب الله. لقد أدار المصالحة وجعلها في يده، لكن النظام النسبي للإنتخابات جعله يواجه الخصوم الدروز في المعسكر الآخر. لعل اشتباك وئام وهاب مع الحريرية وهو اشتباك شمل الحريرية من أوائلها في راهنها، ومن الزعيم المغتال رفيق الحريري إلى وريثه سعد الحريري. لم يكن الإشتباك بهذه الحدة والعنف لولا أنه يوارب به خصومة مع وليد جنبلاط، ويؤثر أن يخوض معه معركة من بعيد ليست على أرضه، ويستفزه إلى نزال يوشك أن يتحول إلى درزي ـ درزي ودرزي ـ سني، وفي الحالين ينجح وئام وهاب في استعادة حظوته، وفي حشر وليد جنبلاط في حرج درزي وهو الزعيم الأول للطائفة.

كان رد سعد الحريري على الهجمة الوهابية نظامياً. لقد تصرّف كحاكم ورئيس وزارة. طلب من المدعي العام استدعاء وهاب إلى التحقيق ولم يستجب للدعوة. عندئذ جازف المدعي العام بإرسال كتيبة أمنية من الجناح الأمني القريب من الحريرية. لم يكن التصدي الأمني لوئام وهاب هذه المرة هادئاً وبلا عواقب فقد سقط في الاشتباك الأمني مرافقه محمد أبو ذياب قتيلاً. إتهمت القوة الأمنية أنصار وئام وهاب بالقتل الخطأ لزميلهم. أياً كان الأمر فإن درزياً سقط في معركة كان الأمن حاضراً فيها. هذا ما نقل المعركة إلى مستوى آخر. وقد قتل درزي في معركة كان وليد جنبلاط في الجهة الأخرى منها. هكذا عادت المعركة إلى المحيط الدرزي وعادت إلى مواجهة درزية درزية، لم يكن وليد جنبلاط رغم استعداء وخصومة واجتماع صحافة الطرف الآخر عليه، ضالعاً فيها. لقد تراجع منذ سقط محمد ابو ذياب فالرجل مهما كانت طريقة موته، درزي. لقد سقط الدرزي وحوصرت الجاهلية وهي عرين وئام وهاب. ولا شك والأمر كذلك، أن المعركة تهدد بأن تغدو درزية ـ سنية، درزية ــ درزية، لكنّ وجود وليد جنبلاط في الساحة ليس بدون أثر كبير. لا يستطيع ظرف طارئ أو مدبر أو عفوي أن يقيم عداوة بين السنة والدروز، أو أن يقسم الدروز إلى دروز جنبلاط وخصوم جنبلاط، فالزعامة الجنبلاطية لا تهتز لمثل هذه الحوادث، وقد تشتد الشوكة الجنبلاطية بسببها، والدروز ليسوا جاهزين للقسمة بسهولة ولا هم عرضة للتشقق السريع. لا بد أن حادثة كهذه أيقظتهم على ما يتهددهم إذا انجروا أكثر في هذا الطريق.