المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي (أرشيف)
المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي (أرشيف)
الخميس 13 ديسمبر 2018 / 16:37

كيف تعزّز إيران نفوذها في البلقان؟

في تقرير على موقع "ذا غلوب بوست" الأمريكي، سلط كيريل أفراموف ورسلان طراد، الضوء على تنامي النفوذ الإيراني في منطقة البلقان بعيداً عن التغطية الإعلامية اللازمة.

الحضور الإيراني في البلقان قد يبدو محدوداً نوعاً ما لكنّه ليس من دون ضرر جدي محتمل ويعتمد على سعي إيراني هادئ، لكن مستمر، من أجل تأمين أهداف سياسية وأمنية في منطقة ذات أهمية استراتيجية

من بين المصادر المحلية المتعددة التي تحدث إليها الكاتبان، قال أحدها في مقابلة من صوفيا: "إيران؟ نعم، لدى إيران حضور في أماكن مثل بلغاريا. لكنكما لن تكتشفا ذلك بسهولة. إنهم يتصرفون بهدوء ودون إعلان كبير". وأكدت مصادر قريبة من أجهزة بلغارية لمكافحة التجسس، هذا الموضوع.

بقيت نشاطات طهران المحلية غير ملحوظة أو غير متسببة بالمشاكل بالنسبة إلى البعض. لكن ما كشفته المصادر للكاتبين ترسم صورة مختلفة وأكثر دقة. تستحق إيران انتباهاً جدياً حتى ولو كانت نشاطاتها مرئية بشكل أقل.

وأضاف الكاتبان أن الإيرانيين يبدون مهتمين بالتضليل الإعلامي والتأثير على الخطاب ضمن وسائل التواصل الاجتماعي أكثر من الاهتمام بتكتيكات القوة الناعمة التقليدية. إضافةً إلى ذلك، يتسم الوجود الإيراني في أوروبا بالعمليات الخاصة الهادفة إلى الإلغاء الجسدي للمعارضين وقمعهم.

بصمة خلال الحرب وبعدها
إن العمليات الإيرانية العالمية للتضليل الإعلامي في فرنسا، وألمانيا، والنمسا، والدول الاسكندينافية جذبت اهتماماً بارزاً، لكنها بقيت في البلقان بعيدة قليلاً عن الأنظار.

فالبلقان أكثر ارتباطاً عادة بنشاطات روسيا وتركيا اللتين تعتبران لاعبتين أساسيتين في المنطقة التي تشكل صلة وصل لإيران بأوروبا الوسطى والغربية بسبب موقعها الجغرافي.

 استثمرت إيران حضورها السري في المنطقة بهدوء لكن بشكل دائم خلال السنوات الثلاثين الماضية.

استطاعت طهران تأسيس موقع أوروبي متقدم زمن حرب البوسنة بين 1992 و 1995. أشار الباحث كايل أورتون إلى أن الرئيس البوسني الأول علي عزت بيغوفيتش تمتع بعلاقات جيدة مع إيران. كان بيغوفيتش رئيساً بين 1992 و 1996 وحصل على الدعم من الحكومة الإيرانية منذ الثمانينات.

مارس حكام إيران بمساعدة المخابرات وخاصةً الباسدران نفوذاً كبيراً في تدريب وحدات راديكالية في الجيش البوسني، وأمنوا الدعم والذخيرة والسلاح.

وتركت المخابرات الإيرانية بصمةً لافتةً في الصراعات السياسية الداخلية في البوسنة بعد الحرب وهو ما أظهرته وحدة سِيف للعمليات الخاصة التي دربتها إيران وقادها ندزاد أوغليان، ويُمكن القول إن إيران لم تغادر قط البوسنة بعد نهاية الحرب، وواصلت استثمار علاقات ممتازة مع السياسيين المحليين.

وكيف الإيرانيون وطوروا شبكات أسسوها في  الحرب للإبقاء على نفوذهم. إن حقيقة أن غالبية مسلمي البوسنة من السنّة لم يشكل مشكلة لإيران الشيعية، بما أنها تريد الاستمرار في استخدام البلاد موقعاً متقدماً استراتيجياً في مواجهة أوروبا الوسطى والغربية.

ثغرات أمنية
تستغل إيران البلقان بفضل ثغرات أمنية ومؤسسات رسمية ضعيفة وفساد منتشر. في هذه البيئة، يعمل حزب الله بشكل متزايد على تنسيق النفوذ الإيراني إلى جانب موظفي السفارة المحلية.

وتجلت أهم ثغرة أمنية في هجمات بورغاس ضد بلغاريا في 2012 حين شن عنصر من حزب الله هجوماً انتحارياً على باص يقل سياحاً إسرائيليين فقتل خمسة منهم إضافة إلى السائق وجرح 32 آخرين.

وللبقاء بعيداً عن الشبهات، يستخدم عملاء حزب الله وثائق إيرانية، أو جوازات سفر غربية، كما حصل في الهجوم على الباص حيث استخدمت وثائق ثبوتية أسترالية وكندية.

وكان الهجوم على الباص نقطة مفصلية إذ قبل ذلك عمل عناصر حزب الله بعيداً عن الأضواء. والاعتداء على السفارة الأمريكية في البوسنة في 2011 على يد الصربي مولد يسارفيتش ومتواطئين كانوا يجتمعون في القرية الجهادية البوسنية غورنيا ماوكا، أظهر اتساع نطاق الشبكة الإيرانية على الأرض وارتباطاتها بمجموعات سلفية متنوعة في البوسنة والنمسا.

وبغض النظر عن خطورة الحادثين، يواصل الإعلام والجمهور التقليل من شأن العمليات الإيرانية المحتملة في المنطقة، ويعتقد عدد كبير من الناس أن إيران لا تتمتع بالموقع المطلوب للتأثير على المواطنين السنة وأن الهوية الإثنية أهم من الهوية الدينية.

ولكنّ ذلك ليس صحيحاً بالضرورة عند النظر إلى الصورة بشكل أقرب. ركز الإعلام والأكاديميون على القوميين اليمينيين المتطرفين والسلفيين في وقت لم يحصل فيه وكلاء إيران على هذا الانتباه.

إنّ تآكل الثقة بين اللاعبين المحليين ونقص الاهتمام الدولي والمشاكل المرتبطة بتقاسم المعلومات الاستخبارية بشكل مناسب، عناصر تؤمن لإيران وحزب الله فرصة استغلال الموقع الاستراتيجي للمنطقة.

نشاط حزب الله
يظهر مخططان فاشلان لهجوم على معارضين إيرانيين في فرنسا، وآخر في الدنمارك تعقيد العمليات الإيرانية، ونشاط عملاء طهران تحت غطاء ديبلوماسي في عواصم أوروبية مختلفة. فأسد الله أسدي المرتبط بهجوم فرنسا، ديبلوماسي إيراني في فيينا.

يشير كل هذا إلى أن الإيرانيين يوسعون شبكتهم أو نشطوا شبكة كانت موجودة أصلاً. تؤكد مصادر الكاتبين أن السلطات البلغارية مدركة لوجود شبكات حزب الله على الأقل في ثلاث من أكبر المدن البلغارية هي العاصمة صوفيا، وبلوفديف، وفارنا على البحر الأسود.

وينشط عملاء حزب الله خاصةً في صوفيا وفارنا، ويجتاز بعضهم بشكل روتيني  الحدود مع صربيا سياحاً أو تحت غطاء رسمي. وفي صربيا، يجمعون معلومات عن البنية التحتية، والمباني الإدارية وكل ما يرتبط بالمجتمع اليهودي والمصالح الإسرائيلية في البلقان.

يبدو أن بعض السياسيين البلغاريين الذين يشكلون جزءاً من التحالف الحاكم يدركون وجود حزب الله وسعي إيران لكسب النفوذ لكنهم يدافعون علناً عنهما، مثل زعيم حزب أتاك القومي فولين سيديروف الذي زار طهران في 2018.

أصر الأخير على أنه كان يجدر ببلاده استغلال رئاستها للاتحاد الأوروبي لتحسين العلاقات بين الاتحاد وإيران. ودعا أيضاً إلى تسيير رحلات مباشرة بين العاصمتين الإيرانية والبلغارية، وإلى تجاهل العقوبات الأمريكية. وبالنسبة إلى قوميين مثل سيديروف وحلفائه، يظهر أن شبكات حزب الله العاملة على الأراضي البلغارية لا تشكل خطراً على الأمن المحلي.

ويبدو أيضاً أن السلطات الصربية والبلغارية لا تملك بيانات جوهرية مفصلة عن نشاط حزب الله بغض النظر عن يقظتها تجاه وجود أعضاء منه على الأرض.

توتر إيراني وبلغاري
بحسب مصادر من المجتمع الأمني البلغاري، لدى وكيل إيران أصوله الخاصة في مقدونيا، وكوسوفو، حتى ولو أن إيران لا تعترف رسمياً بالأخيرة.

وفي صوفيا، لدى حزب الله على الأقل مكانان للاجتماعات لمناقشة عدد من المسائل بدءاً من الأعمال وصولاً إلى تعزيز الاتصالات مع قوى سياسية محلية، وفقاً للبناني يعيش في بلغاريا، نشط سابقاً في عمليات المنظمة.

إن اعتماد حزب الله على الأعمال معرض للخطر مع العقوبات الأمريكية ويمكن لمس التوتر في عدد من الأحياء، توتر لدى الإيرانيين والشركات البلغاريين أيضاً التي تعمل مع إيران أو داخلها.


إلى جانب العمل في ميادين السياسة والأعمال وشبكات التجارة العلنية والسرية، تبذل إيران جهودها لتعزيز نفوذها في النواحي الدينية والثقافية، وتستهدف على المستوى المحلي السكان المسلمين، بطريقة تشبه أسلوب عمل الأتراك.

فطيلة 400 عام، عاش العلويون على الأراضي البلغارية بعدما قدم أجدادهم إليها من السلطنة العثمانية. يمثل العلويون جزءاً صغيراً من المسلمين في بلغاريا، وظلوا مجتمعاً مغلقاً محافظاً على تقاليده حتى سقوط الاتحاد السوفياتي.

وبعد ثورة 1979، أرادت طهران إعادة إحياء علاقاتها بمسلمي البلقان بسبب أهمية المنطقة، وتمكنت من تأسيس تواصل مباشر ونشط مع المجتمع العلوي البلغاري في السنوات العشرين الماضية عبر سفارتها في صوفيا، والمركز الثقافي والإيراني المرتبط بها وبأجهزتها الاستخبارية. ولا تعترض الحكومة البلغارية على هذه العلاقات لأنها لا تراها مصدراً أساسياً للخطر.

خمسة طلاب كانوا جزءاً من برنامج ترعاه إيران تحدثوا إلى الكاتبين اللذين أشارا إلى أن هذه الأحاديث سلطت بعض الأضواء على مقاربة إيران تجاه الشبان العلويين. في العام الماضي وحده، زار مسؤولون إيرانيون عدداً من الأماكن التي يقطنها علويون بشكل خاص.

وهنالك مصالح مستدامة يمكن تلمسها في قريتي سيفار ومادريفو اللتين تضمان حوالي 3000 شخص وهو رقم جوهري على المستوى المحلي حيث لا تضم غالبية البلدات والقرى أكثر من 200 نسمة.

ويقدم المركز الثقافي الإيراني للطلاب العلويين دروساً لغوية ودينية، لا تراقبها السلطات البلغارية.

ذكر الكاتبان أن الحضور الإيراني في البلقان قد يبدو محدوداً نوعاً ما لكنه ليس بلا ضرر جدي محتمل ويعتمد على سعي إيراني هادئ، لكن مستمر، لتأمين أهداف سياسية وأمنية في منطقة ذات أهمية استراتيجية للمخططين في طهران.

ويقول مصدر إن الإيرانيين يدركون أنهم ليسوا لاعبين في حجم تركيا، وروسيا في المنطقة لكنهم يدركون أن المجتمعات المحلية لا تنظر إليهم على أنهم عدو قديم أو فاتح، ولهذا السبب يعملون على استغلال ذلك لمصلحتهم الخاصة.