الجمعة 14 ديسمبر 2018 / 14:50

شويكاني قُتلت في سوريا.. كيف تصرفت واشنطن؟

أعد مراسل صحيفة "إندبندنت" البريطانية ريتشارد هول تقريراً عن ظروف اختفاء ومقتل المواطنة الأمريكية من أصل سوري ليلى شويكاني داخل السجون السورية. خلال الشهر الماضي تلقى أهلها الخبر الذي كانوا يخشون حدوثه طوال سنتين وهو موت ابنتهم التي ولدت في شيكاغو.

نحن على علم بالتقارير عن موت مواطنة أمريكية في معتقل للنظام السوري. نظراً لاعتبارات الخصوصية، ليس لدينا تعليق إضافي على هذه التقارير حالياً"

 سافرت شويكاني إلى سوريا في سبتمبر (أيلول) 2015 لمساعدة السكان الذين يعانون من الحرب الأهلية، لكنها اعتُقلت على يد السلطات السورية بعد ستة أشهر على وصولها إلى البلاد وتم توجيه اتهامات إليها مرتبطة بالإرهاب. بعد أقل من سنة، تم إعدامها بناء على محاكمة دامت 30 ثانية وفقاً لمجموعات حقوقية تابعت قضيتها.

بعد صدور خبر وفاتها، لم يُصدر أي من البيت الأبيض أو وزارة الخارجية أي بيان يوضح ملابسات الوفاة. وعانى كثر كي يفهموا سبب عدم إثارة مقتلها للمستوى نفسه من الانتباه العالمي الذي حظي به مقتل الصحافي جمال خاشقجي. يشير الصمت الأمريكي إلى فشل إدارتين متعاقبتين في تلبية تطلعات عائلتها حين كانت بحاجة إليهما، أكان خلال سجنها أو بعد مقتلها الوحشي، بحسب ما قاله أشخاص حاولوا مساعدتها.

أوقفوا الواحد تلو الآخر

قال قتيبة إدلبي، باحث يعمل مع أقرباء المحتجزين السوريين: "لو فعلت وزارة الخارجية شيئاً أكثر حينها عبر فرض المزيد من الضغط وإظهار أنه سيكون هنالك تداعيات، أعتقد أنّ ليلى كانت لتكون على قيد الحياة اليوم. سياسياً، لم يكونوا مهتمين بفعل أي شيء. ردهم الكامل سخيف".

سافرت شويكاني وعائلتها مرات عدة إلى سوريا طوال سنوات، لكن حين وصلت إلى دمشق سنة 2015، عقدت النية على البقاء فيها. اندفعت شويكاني المزدوجة الجنسية لمساعدة من يعانون من الحرب في الغوطة الشرقية مع أصدقاء لها. ترى الحكومة السورية المنظمات المستقلة كتهديد لها فأوقفت أصدقاءها واحداً تلو الآخر. يوضح إدلبي شعور شويكاني بأنها ستكون محمية أكثر لأنها أمريكية. أوقِفت شويكاني في فبراير (شباط) 2016 بعد ستة أشهر على وصولها إلى دمشق. كذلك، أوقف والدها وخطيبها. واتُهمت بالتخطيط لقتل أعضاء من الحكومة السورية بحسب إدلبي. واكتشف الأخير ما حدث لها لاحقاً عبر شهادة محتجزين في سجن عدرا الذي احتُجزت داخله إضافة إلى تواصل مع مسؤولين سوريين بعد تلك الواقعة.

ماذا حصل معها لاحقاً؟
سحبت واشنطن سفيرها من سوريا سنة 2012 ولذلك، تابعت السفيرة التشيكية في دمشق إيفا فيليبي ملفها. وفي 18 ديسمبر 2016 زارتها في سجن عدرا بالنيابة عن الحكومة الأمريكية. قبل الزيارة، تلقت شويكاني تهديدات من السلطات السورية بإيذاء عائلتها إذا لم تعترف للسفيرة بالجرائم التي تم اتهامها بها. وهكذا فعلت. بعد ثمانية أيام، نُقلت شويكاني من سجنها إلى محكمة عسكرية حين طلب منها الإجابة على التهم الموجهة إليها. ويقول إدلبي إنّ "المحاكمة كانت أساساً عبارة عن سؤال واحد: ‘هل تعترفين بهذه التهم؟‘ قالت ليلى نعم، بسبب التهديدات (التي طالت) حياة عائلتها". وأضاف: "من خلال مسؤول، وجدنا أنّ قاضياً حكم عليها بالإعدام (بناء على اتهامها بال) إرهاب. استمرت المحاكمة 30 ثانية". وفقاً لإدلبي، تم نقل شويكاني حينها إلى سجن صيدنايا السيئ السمعة: منذ ذلك الحين، إنّ افتراضنا هو أنّها قُتلت حتماً" شارحاً أنّ عمليّة الإعدام تجري خلال 48 ساعة من الحكم.

يذكر المراسل أنّ هذه الرواية تتطابق مع تلك التي قدمتها الشبكة السورية لحقوق الإنسان التي توثق الموت في السجون السورية. وتعتقد هذه المجموعة أنّ شويكاني أعدِمت في 28 ديسمبر 2016. وفقاً لشخص مطلع على تحركات وزارة الخارجية في ذلك الوقت، كان هنالك نقص في الإلحاح من قبلها. وأوضح المصدر: "كانوا يسألون الحكومة السورية بأن تؤمّن لها محاكمة منصفة وعادلة. لن يثق أحد في أي عالم بأن تقدم الحكومة السورية محاكمة عادلة ومنصفة".

عضو الكونغرس يتحرك.. خيبة أمل
علمت عائلة شويكاني بمقتلها الشهر الماضي فقط بعد صدور سجل مدني جديد يظهر بيانات الولادات والزيجات والوفيات. أشار السجل إلى وفاتها في 28 ديسمبر 2016 لكنّه لم يؤمّن تفاصيل أكثر حول الملابسات. بعد تأكيد موتها، واجه البيت الأبيض دعوات متنامية للرد على مقتلها. حدّد دونالد ترامب سمة رئاسته بتحرير المحتجزين الأمريكيين في الخارج ونجح في ذلك مع القس الأمريكي أندرو برانسون، لكنّه لم يعلّق بعد على مقتل شويكاني. لكنّ عضو الكونغرس آدم كينزينجر الذي يمثل دائرة إيلينوي التي عاشت فيها تولى قضيتها. في جلسة استماع قادتها لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الشهر الماضي، سأل كينزينجر الممثل الأمريكي الخاص إلى سوريا جايمس جيفري عن رد إدارة ترامب على مقتلها لكنّه لم يلقَ جواباً بعد. غير أنّ النائب سيستمر في حث زملائه على ممارسة الضغط على البيت الأبيض كما قال للصحيفة، معرباً عن "خيبة أمل وصدمة" إزاء غياب الغضب من مقتل ليلى على يد النظام لافتاً النظر أيضاً إلى التغطية الإعلامية القليلة وحتى المعدومة التي نالتها هذه القضية. وأضاف: "أفهم أنّ هنلك تفاصيل سرية، لكني خائب الأمل من أنّ السفير جيفري لم يكن قادراً على أن يقول المزيد بالنيابة عن الإدارة حول ما حصل لليلى وما ستكون عليه التداعيات".

معيب
وصف الباحث البارز في معهد الشرق الأوسط تشارلز ليستر الذي شهد أمام اللجنة رد الحكومة الأمريكية ب "المعيب". وأضاف للصحيفة: "أجد من الصعب تخيل أننا كنا لنشهد هذا الصمت لو كان اسم ليلى ميريدث وكان شعرها أشقر وبشرتها فاتحة. في نهاية المطاف، إنّ أمريكية احتُجزت بناء على اتهامات باطلة، حُكم عليها بالموت عبر الإعدام وقُتلت في معتقل نظام الأسد – نظام تواصل حكومتنا تسميته بالوحشي وغير الشرعي حتى هذا اليوم. أعتقد أنّ الحكومة الأمريكية والمجتمع الإعلامي الأمريكي يحتاجان لإجراء بعض التعمّق الروحي الجدي جداً حول ما يعنيه أن يكون (المرء) أمريكياً".

قيود
يشير المراسل إلى أنّ القضية قد تكشف حدود النفوذ الأمريكي في دولة تعتبرها واشنطن عدوة. وقال روبرت فورد، آخر سفير أمريكي خدم في سوريا قبل إغلاق السفارة سنة 2012، إنّ غياب قناة التواصل الرسمية عرقل كثيراً جهود إطلاق سراح شويكاني، موضحاً أنه لهذا السبب أصدرت واشنطن تحذيرات قوية للأمريكيين كي يغادروا البلاد بعد إغلاق السفارة. وأضاف في حديثه للصحيفة إنّه لا يدري حجم الجهد الذي بذلته وزارة الخارجية "لكن لو أرادوا جعل هذا الموضوع قضية كبيرة لكانوا قالوا شيئاً في العلن كما فعلوا بالنسبة إلى أمريكيين آخرين مفقودين في سوريا". وشرح أنّ وزارات الحكومة قد تكون مقيدة بما يمكن أن تعلنه إذا لم تحصل على إذن العائلة.

وقال ناطق باسم وزارة الخارجية للصحيفة: "نحن على علم بالتقارير عن موت مواطنة أمريكية في معتقل للنظام السوري. نظراً لاعتبارات الخصوصية، ليس لدينا تعليق إضافي على هذه التقارير حالياً". ورفض البيت الأبيض التعليق.

رسالة مروعة
قضى آلاف السوريين نحبهم بالطريقة نفسها التي واجهتها شويكاني. تصف منظمة العفو الدولية سجن صيدنايا بأنه مكان تُنفذ فيه عمليات "قتل، تعذيب، إخفاء قسري وإبادة" منذ 2011. تقدر المجموعة الحقوقية أنّ ما بين 5 آلاف و13 ألف شخص تم إعدامهم في صيدنايا من دون محاكمات بين سبتمبر 2011 وديسمبر 2015. ومثل شويكاني، بقي مصير العديد من هؤلاء مجهولاً طوال سنوات.

في وقت مبكر من 2018، بدأت الحكومة السورية تصدر وثائق وفاة لمعتقلين بوتيرة غير مسبوقة. تم إبلاغ الآلاف بأن أقرباءهم ماتوا في سنوات سابقة وقُدمت أسباب وفاة مبهمة في الغالب لكنّ مجموعات حقوقية تعتقد أنّ التعذيب والاهتمام غير السليم هما السبب الأساسي لوفاة السجناء في المعتقلات الحكومية. وعبّر عن هذا الرأي للصحيفة نفسها، فاضل عبد الغني وهو مؤسس الشبكة السورية لحقوق الإنسان، مضيفاً أنه "في حالات نادرة، يتم الحكم عليهم بالموت عبر ما يُسمى بمحكمة". وقال إنّه من الصعب جداً التحقق من كيفية مقتلها أكان عبر التعذيب أو القتل "لكنّ النتيجة هي نفسها. النظام مسؤول. النظام أخفاها. ماتت منذ حوالي سنتين والنظام أبلغ عائلتها منذ شهر واحد فقط". وفقاً لغاني، واجه 80 ألف شخص الإخفاء القسري على يد الحكومة السورية، ويبقى مصير غالبيتهم مجهولاً.

وكما يحصل مع القسم الأكبر من القتلى، لم تستلم عائلة شويكاني جثة ابنتها. وأقيمت مراسم الجنازة الأسبوع الماضي في ويلوبروك، إيلينوي. وقال غاني إنّ العديد من السوريين تُركوا مصدومين بسبب ما حصل مع شويكاني: إنّه يوجّه رسالة مروّعة أنّ حكومة ديموقراطية لم تظهر اهتماماً بمواطنتها. ماذ يعني ذلك بالنسبة إلى سوريين يكافحون وقد عانوا لتحقيق ديموقراطية سلمية في بلدنا؟ الولايات المتحدة تتخلى عنا".