تعبيرية.(أرشيف)
تعبيرية.(أرشيف)
الجمعة 14 ديسمبر 2018 / 20:13

طاقة

كل ما نحتاجه أحياناً هو أن تُقدّم لنا النصائح العامة البديهية الفضفاضة في قالب جديد، جميل، جذّاب، مطعّم بالمصطلحات والأدوات المثيرة للاهتمام، لكي تقذف الرعب في قلوبنا، والوعي في عقولنا

رصّت المعالجة الهندية عينيها كالمصابين بضعف البصر، وراحت تحدّق في نقطة ما فوق رأسي. شعرت بالحرج، وأنا التي أتقن فن تفادي عيون الآخرين. تمنيت لو كان باستطاعتي أن أدير وجهي، وأن أنشغل بالتحديق إلى المنضدة التي تغص بصور وتماثيل الآلهة والمعلمين الروحيين في ديانتها الهندوسية.

كانت تنظر إلى هالة الطاقة المحيطة برأسي، والتي تمثّل أحد "التشاكرات" - أو مراكز الطاقة- السبعة في الجسد.

"إن طاقتك الروحية عالية، ولكن أفكارك..."، وزفرت بقلق أمومي حان، "إنها مضطربة. يجب أن تتعلمي السيطرة على أفكارك".

ثم واصلت رصّ عينيها فيما وضعت راحتيها المفتوحتين فوق صدري وبطني، متلمسة ما تبقى من "تشاكراتي"، لتقول بحزم، "تخلي عن البغض والغضب تجاه الآخرين، فهما يرتدان ضدك ويضران بكِ. وتنبهي مما تأكلين، واحرصي على الطعام الصحي".

وعلى النقيض مما قد يتوقعه بعضكم لما يعهده من طبيعتي الساخرة والمتشككة، فأنا لم أكتب هذا المقال إلا لأقسم بأن تلك العجوز كانت محقة في كل كلمة قالتها! كيف لا، وعائلتي قد قضت أكثر من 20 عاماً في ترديد نفس هذه المواعظ عليّ!

ولكني خرجت من عندها بشعور مختلف، وقد يكون ذلك عائداً إلى الطاقة السلبية التي نفضتها عني كما يُنفض الغبار عن السجادة.

صارت كل لقمة أبتلعها من البيتزا والبرغر تعلق في حنجرتي حسرة وهلعاً، فهي قد حذرتني مما آكله، وكأنما "كرشي" ووزني الزائد لم يقدما دليلاً صارخاً، ولا يحتاج إلى قدرات "شيرلوك هولمز" الاستقصائية، على أن صحتي في خطر.

وصارت السيطرة على الأفكار السلبية، والتنازل عن حنقي تجاه الآخرين، هاجساً جديداً لي، فقبل استلقائي على سرير المعالجة الروحية الأبيض، لم أكن لأتخيّل بأن الغضب والأحقاد، وسلاسل الأفكار المقلقة والمخاوف، قد تضر بالمرء منا. بل لطالما حسبتها تمنحه لمعاناً في الشعر وتورّداً في البشرة.

وأعتذر بهذا الصدد إلى شقيقتي الكبرى التي أفنت عمرها في تعليمي التفاؤل والإيجابية والصفح. يبدو أنها أخطأت في عدم دغدغة باطن قدمي لاستخراج الطاقة السلبية.

ثم إني منذ زيارتي إلى المعالجة بت أفكر جدياً في كتابة رسالة "من القلب"، لعلي أعتذر إلى شخص كنت قد آذيته وجرحت مشاعره.

ألم تحثني عائلتي منذ سنوات على طي الصفحة، ومعاملته بالحسنى؟ بلى، ولكن الأهم هو إني سمعت هذه النصيحة تنطلق من لسان المعالجة الحكيمة. فماذا يعرف أهلي البسطاء عن "التشاكرات" أصلا، وألوانها، ومعانيها؟ إنهم على الأرجح لا زالوا يعتقدون بأن أهم مصادر الطاقة هي هيئة الكهرباء. مساكين.

كل ما نحتاجه أحياناً هو أن تُقدّم لنا النصائح العامة البديهية الفضفاضة في قالب جديد، جميل، جذّاب، مطعّم بالمصطلحات والأدوات المثيرة للاهتمام، لكي تقذف الرعب في قلوبنا، والوعي في عقولنا، تجاه الأشياء التي نعرفها تمام المعرفة.
  
واللي عنده قرش محيره، يشتري "تشاكراً" ويطيره.