المطرب اللبناني راغب علامة والنائب حكمت ديب.(أرشيف)
المطرب اللبناني راغب علامة والنائب حكمت ديب.(أرشيف)
الجمعة 14 ديسمبر 2018 / 20:30

... طار البلد !

لدينا في الأردن إحباط على كل المستويات وربما يتجاوز الإحباط اللبناني ولكن ليس لدينا متبرع بالوطنية ومتجرئ على إغضاب الطبقة السياسية مثل راغب علامة الذي التقط اللحظة الفارقة في حياة اللبناني

تعاني الديمقراطيات الفقيرة والصغيرة مثل الأردن ولبنان من ثلاثة عيوب مركزية، الأول هو عيب التمثيل الحقيقي للجمهور، ففي الأردن يعاني قانون الانتخاب من شوائب كبيرة وكثيرة جعلته لا يعكس الجغرافيا ولا الديمغرافيا بصورة عادلة على مقاعد البرلمان، أما في لبنان فالأمر أكثر خطورة إذ أن القانون مفصل على المقاس الطائفي – السياسي وفيه "جبل" من الغبن، أما ضعف التمثيل فهو سيد الحالة والموقف، وفي الحالتين تأسست ديمقراطية مبتورة أو عرجاء ومشوهة لا تستطيع صناعة مستقبل ولا معالجة مشاكل الواقع والحاضر.

في غابة الطوائف اللبنانية، الرئيس الماروني ضعيف حتى يأتيه الدعم والمدد السياسي وغير السياسي من سوريا أو من واشنطن أو باريس، وحتى عند تكليف الرئيس السني لتشكيل الحكومة تستطيع الكتل النيابية الطائفية تعطيله، أياً كان هذا الرئيس، وهذا حصل سابقاً وهذا ما يحصل اليوم مع سعد الحريري، وهو أمر يتسبب في نشوء ما يسمى بـ "الفراغ " الذي يعطل الحكومات، وحتى البرلمان اللبناني أصبح "جمهورية موز مصغرة" على حجم زعيم حركة أمل، وعنوان هذه الجمهورية هو ساحة النجمة برئاسة نبيه بري التي سيبقى رئيساً لها طالما هو على قيد الحياة.

وفي خضم هذا الوضع الشاذ والذي قلب ويقلب الديمقراطية على رأسها، دخل لبنان مرحلة حضور الدولة الشكلية وغياب الدولة الفعلية منذ عام 2005 إلى اليوم وهو ما سمح بتنامي مراكز القوى التي أضعفت الدولة وتحديداً قوة حزب الله ومن يحالفه. وليست أزمة التشكيل الحالية إلا واحدة من علامات مرض الدولة اللبنانية ومؤشراً خطيراً على تنامي مشروع حزب الله السياسي في السعي لإحكام السيطرة على لبنان وطوائفه.

لبنان "باريس الشرق" في الخمسينيات أصبح "دولة الزبالة" في الوقت الحاضر وبات مصدراً مهماً للزبالة للعالم، ودولة الفساد الثانية في العالم العربي بعد العراق، ودولة الزعامات الكارتونية الذي يتحول فيها أي أزعر من أي طائفة إلى قضية تهز البلد، وتنامت في ظل غياب الدولة اللبنانية القضايا المعيشية وتراجعت في سلم أولويات وزراء الطوائف، حيث تحولت المعيشة في لبنان إلى نوع من العذاب بعد أن كانت أمنية للعرب وللكثير من الأجانب.

في ظل هذا الوضع الصعب كان لا بد أن تخرج أصوات ناقدة ووطنية غير محسوبة إلا على لبنان ذاته، فتبرع راغب علامة بالنقد من خلال أغنية "طار البلد"، تعبيراً عن نقد الحالة السياسية التي تسببت بالانهيار الحياتي والمعيشي للبنانيين وللبنان، أما المفارقة المضحكة أن من انتقد التعبير المجازي لعبارة "طار البلد" في أغنية راغب علامة واعتبرها مسيئة هو النائب غير المعروف لا لبنانياً ولا عربياً والمحسوب على التيار العوني حكمت ديب، وتعامل وبجهل على أن البلد أي لبنان، له رأس وان هذا الرأس "راح يطير"، ورد على أغنية علامة بكلام لا يجوز لنائب أن يتلفظ به حيث قال تعليقاً على الأغنية ..."شو هاي طار البلد هيدا لازم يطير رأسه .."

لدينا في الأردن إحباط على كل المستويات وربما يتجاوز الإحباط اللبناني، ولكن ليس لدينا متبرع بالوطنية ومتجرئ على إغضاب الطبقة السياسية مثل راغب علامة الذي التقط اللحظة الفارقة في حياة اللبناني، اللحظة التي بات يشعر فيها أنه ليس لبنانياً إن لم يطلق أغنيته "طار البلد".