خريطة توزيع النفوذ في سوريا.(واشنطن بوست)
خريطة توزيع النفوذ في سوريا.(واشنطن بوست)
الأحد 16 ديسمبر 2018 / 14:15

أي دور للقوات الأمريكية شرق الفرات؟

رأت الصحافية ليز سلاي أن الولايات المتحدة تخوض حرباً خفية في سوريا، وأن القوات الأمريكية ستبقى في تلك البلاد إلى أجل غير مسمى، إذ تسيطر على مساحة شاسعة من الأراضي الصحراوية، قرابة ثلث البلاد، بيد أنها تواجه مخاطر على العديد من الجبهات.

مغادرة القوات الأمريكية قبل التوصل إلى حل لسوريا سيكون له عواقب كارثية، وربما تندلع حرب جديدة على الفور. ولكن البقاء، بحسب تقرير "واشنطن بوست"، ينطوي أيضاً على مخاطر

واعتبرت في تحقيق نشرته صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، أن مدينة الرقة المدمرة (التي اتخذها تنظيم داعش الإرهابي عاصمة لخلافته المزعومة وجذب إليها المقاتلين الأجانب من جميع أنحاء العالم) باتت الآن في قلب أحدث التزام للولايات المتحدة بحرب الشرق الأوسط.

القوات الأمريكية باقية في سوريا
وكانت الولايات المتحدة قد أرسلت قبل ثلاث سنوات بضعة آلاف من الجنود الأمريكيين لدعم الأكراد السوريين في محاربة داعش، وأعرب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في مارس(آذار) الماضي أن القوات ستعود بمجرد دحر داعش. وفعلاً، بدأت مؤخراً الحملة العسكرية الأخيرة لطرد الدواعش من الجيب الأخير من الأراضي الواقعة تحت سيطرتهم.

ولكن في سبتمبر (أيلول) الماضي، غيرت الإدارة الأمريكية مسارها وقالت إن القوات الأمريكية ستبقى في سوريا حتى يتم التوصل إلى تسوية شاملة للحرب السورية وتنفيذ مهمة جديدة تتمثل في تقويض النفوذ الإيراني المتزايد داخل سوريا.

ويشير تقرير "واشنطن بوست" إلى أن البنتاغون لم يفصح صراحة عن عدد القوات الأمريكية الموجودة في سوريا. فمن الناحية الرسمية يبلغ عددهم 503 عسكريين، ولكن مسؤولاً رسمياً صرح مطلع هذه السنة أن العدد الحقيقي يقترب من 4000، معظمهم من أفراد العمليات الخاصة. وعلى الرغم من أن الجنود الأمريكيين يتجولون بسيارتهم وقوافلهم من وقت لآخر على طول الطرق الصحراوية الفارغة، فإنه من النادر جداً رؤيتهم في البلدات والمدن.

صراع القوى الإقليمية
وتثير المهمة الجديدة للقوات الأمريكية، بحسب التقرير، تساؤلات جديدة حول الدور الذي ستلعبه، وعما إذا كان وجودها سوف يشكل خطراً على الصراع الإقليمي؛ وخصوصاً لأن المنطقة محاطة بقوى معادية لكل من الوجود الأمريكي وتطلعات الأكراد (الذين يحكمون منطقة غالبية سكانها من العرب) للحكم الذاتي والاستقلال، فضلاً عن عودة تنظيم داعش إلى تنظيم صفوفه وزيادة الاستياء داخل فصائل العرب مما يهدد بالثورة والتمرد.

وترى الكردية إلهام أحمد، مسؤولة بارزة بالإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، أن مغادرة القوات الأمريكية قبل التوصل إلى حل لسوريا سيكون له عواقب كارثية، وربما تندلع حرب جديدة على الفور. ولكن البقاء، بحسب تقرير "واشنطن بوست"، ينطوي أيضاً على مخاطر وبالفعل بدأت وتيرة التحديات تتصاعد.

وخلال الشهر الماضي، أجبر تهديد تركيا بغزو المنطقة الولايات المتحدة على تنظيم دوريات عسكرية على طول الحدود السورية مع تركيا؛ إذ تعتبر الأخيرة الميليشيات الكردية (وحدات حماية الشعب الكردية التابعة لحزب العمال الكردستاني المحظور داخل تركيا) منظمة إرهابية وتمثل تهديداً للأمن التركي إذا تم تعزيزها بالسلطة والحكم الذاتي في سوريا.

وفي الوقت نفسه، هددت قوات نظام الأسد والميليشيات الموالية لإيران (الموجودو في جنوب وغرب البلاد) بشن هجوم لاستعادة السيطرة على المنطقة وفرض سيطرته على البلاد بالكامل. وبالفعل بدأت الحكومة السورية وإيران في توطيد روابطهما مع القبائل المحلية.

هيمنة الأكراد
ويقول التقرير: "بعيداً عن الخطوط الأمامية، بدأ الهدوء، الذي أعقب طرد داعش من الرقة والمناطق المحيطة بها، يتلاشى؛ إذ تزايدت سلسلة التفجيرات الغامضة والاغتيالات في بعض المناطق التي تم استعادتها من الميليشيات المسلحة. ويزعم داعش مسؤوليته عن معظم الهجمات، وهو ما يؤكده المتحدث باسم التحالف الدولي الكولونيل شون ريان. بيد أنه ثمة شكوك واسعة بأن القوى الإقليمية التي تعارض الوجود الأمريكي والحكم الذاتي للأكراد ربما تسعى إلى زعزعة استقرار المنطقة وإيجاد حلفاء من بين فصائل العرب الساخطين على هيمنة الأكراد؛ فعلى الرغم من إشراك القوات الكردية للعرب في تجربتهم في الحكم الذاتي فإن الأكراد يحتفظون لأنفسهم بالهيمنة على جميع المستويات".

وينقل تقرير الصحيفة الأمريكية عن الشيخ الحميدي الشمر، زعيم إحدى أكبر القبائل العربية في هذه المنطقة، قوله إن في هذا الجزء من سوريا تتغلب الولاءات القبلية على السياسة في كثير من الأحيان، ولذلك تتم استمالة القبائل من قبل جميع اللاعبين الإقليميين الذين لديهم اهتمام بالسيطرة على المنطقة في نهاية المطاف. وتتنافس للسيطرة على شمال شرق سوريا قوات نظام الأسد وداعش وقوات الجيش السوري الحر وقوات سوريا الديمقراطية بقيادة الأكراد.
وعلى الرغم من تحالف بعض القبائل مع الولايات المتحدة والأكراد في المعارك ضد داعش، فإن قبائل عرب المنطقة، بحسب الشيخ الشمر، سوف ينسحبون من أية صفقة يتم التوصل إليها في نهاية الأمر مع الأكراد؛ إذ يخشى السكان العرب من أن تقوم عرقية واحدة (الأكراد) ببناء دولة مستقلة وفرض سلطتها على الآخرين.

نفوذ نظام الأسد
ويوضح التقرير أن المسؤولين الأمريكيين يأملون في أن يقود الوجود العسكري الأمريكي إلى التأثير في مفاوضات التسوية النهائية لإنهاء الحرب السورية؛ بهدف تأمين شكل من أشكال الحكم الذاتي لحلفائهم الأكراد بالإضافة إلى تقويض النفوذ الإيراني. ولكن مثل هذه التسوية لا تبدو قريبة، وربما لا تحدث أبداً؛ فقد انتصر الرئيس السوري بشار الأسد على المعارضة في أماكن أخرى بسوريا ولم يقدم تنازلات، ولذلك يتوقع العديد من السكان العرب والأكراد على حد سواء أن يستعيد النظام نفوذه على المنطقة في نهاية المطاف.

وعندما أعلن الرئيس ترامب عن اقتراب موعد سحب القوات الأمريكية، بدأ الأكراد محادثات مع دمشق للتوصل إلى تسوية مباشرة ثنائية، ولكن المحادثات لم تسفر عن أي شيء. وعلى الرغم من إعلان الأمريكيين عن بقائهم، فإن المسؤولين الأكراد لايزالون يحافظون على قنوات اتصال مفتوحة مع دمشق في حال تغيير الموقف الأمريكي مرة أخرى.

إشكالية منبج
ويلفت التقرير إلى أن جميع التحديات والتعقيدات في شمال شرق سوريا تتركز في مدينة منبج الاستراتيجية التي تقع إلى جانب نهر الفرات، وهي مدينة صغيرة حررها الأكراد من داعش منذ أكثر من ثلاث سنوات. وتقع المنطقة التي تسيطر عليها القوات التركية وحلفاؤها من ميليشيات الجيش السوري الحر، وإلى الجنوب توجد المنطقة الواقعة تحت سيطرة الحكومة السورية وحلفائها روسيا وإيران.

وفي الوسط يتمركز الأمريكيون في المناطق القليلة. وهناك ثلاثة قواعد أمريكية صغيرة في المدينة وحولها، تدعم الجهوداً لإبعاد تركيا عن مجلس منبج العسكري الكردي. وحتى الآن نجحت الدبلوماسية في إخماد التوترات، وبدأت القوات العسكرية الأمريكية والتركية في الفترة الأخيرة في القيام بدوريات مشتركة على طول الخط الأمامي. ويعتقد المسؤولون المحليون أن الجماعات المرتبطة بنظام الأسد وإيران تقف وراء بعض الهجمات خلف الخطوط الأمامية.

الخراب والدمار
ويلفت التقرير إلى حالة الإحباط الشديد السائدة في الرقة بسبب الدمار الذي خلفته الغارات الجوية لقوات التحالف في حربها ضد داعش طوال أربعة شهور. وعلى الرغم من مرور عام، فإن المدينة لاتزال في حالة من الخراب، بسبب النقص الحاد في توفير التمويل اللازم لإعادة الإعمار.

وحتى مع بوادر عودة الحياة للمدينة من خلال افتتاح المتاجر والأسواق في بعض الأحياء وعودة حوالي نصف السكان، فإن الدمار لايزال في كل مكان، ولم تعد المياه إلا في سبتمبر (أيلول) الماضي، فيما لا يزال التيار الكهربائي مقطوعاً حتى الآن، والشوارع غير آمنة وتتزايد عمليات الاغتيال والخطف والسرقات.

ويختتم تقرير "واشنطن بوست" بأنه من دون توافر الدعم المالي اللازم لإعادة الإعمار فإن الرقة، وغيرها من المدن التي تم تحريرها، تبقى معرضة عرضة للعودة إلى الضعف نفسه الذي أدى إلى ظهور جماعات إرهابية مثل داعش، لاسيما في ظل الغضب السائد بين السكان المدنيين من رفض الولايات المتحدة المساهمة في إعادة بناء المدن التي دمرتها قوات التحالف في حربها ضد داعش.