فلسطيني يلوح بعلم بلاده قبالة مستوطنة عوفرا قرب رام الله (أرشيف)
فلسطيني يلوح بعلم بلاده قبالة مستوطنة عوفرا قرب رام الله (أرشيف)
الثلاثاء 18 ديسمبر 2018 / 00:59

أربع رسائل ضفاوية

موجة العمليات الفلسطينية الأخيرة التي شهدتها الضفة الغربية المحتلة واستهدفت جنود الاحتلال ومستوطنيه وجهت رسائل مكتوبة بالدم لكل الأطراف الفاعلة والمعنية بملف الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

قد يستنتج محللون أن نتائج موجة العمليات الأخيرة لن تكون مجدية بسبب استنكاف القيادة السياسية عن البناء عليها واستثمارها السياسي في المحافل الدولية

أولى هذه الرسائل كانت موجهة لحكومة الاحتلال الإسرائيلي ورئيسها بنيامين نتانياهو، ومفادها أن المجتمع الضفاوي ليس مدجناً، وأن الضفة الغربية لم تفك ارتباطها بالمقاومة، وهي بؤرة المواجهة الأخطر والأصعب بالنسبة لجيش الاحتلال، لأن الاشتباك في الضفة يعني المواجهة المباشرة في حرب شوارع، لا يمكن حسمها بالطيران.

أما الرسالة الضمنية التي أرادت الضفة توجيهها إلى إسرائيل فإنها أرادت تحذير رئيس حكومة اليمين الإسرائيلي من الركون إلى الطمأنينة المتكئة على قناعة زائفة بترسيخ "الهدوء".

وفي هذه الرسالة أيضاً ما يشير إلى قدرة الضفة على إسقاط نتانياهو مثلما أسقطت غزة وزير جيشه السابق أفيغدور ليبرمان.

ثانية الرسائل المهمة كانت موجهة إلى السلطة الفلسطينية، وكانت واضحة في رفضها لتمسك السلطة بالتنسيق الأمني مع قوات الاحتلال.

وقد أثبتت موجة العمليات الأخيرة أن هذا التنسيق لا يستطيع تأمين الهدوء المطلوب إسرائيلياً، لأن هذه العمليات اعتمدت عنصر المفاجأة ولجأت إلى الرصاص بديلاً للسكاكين ما أربك قيادات الميدان الإسرائيلية.

ولعل من نفذوا هذه العمليات أرادوا تذكير القيادة الفلسطينية بقرارات المجلس المركزي الفلسطيني والتي تنص على وقف هذا التنسيق المؤذي. وربما أرادوا إحراج السلطة ووضعها أمام مسؤولياتها ودفعها إلى تنفيذ قراراتها المعلنة.

ثالثة الرسائل كانت موجهة إلى الفصائل الفلسطينية التي انخرطت في المناكفات البينية وأهملت مهماتها في مواجهة الاحتلال ووجوده العسكري المقيت على الأرض الفلسطينية.

وربما كشفت صعوبة تحديد الانتماء الفصائلي لمنفذي العمليات إلى أنها مبادرات فردية لم يتم تنفيذها بقرارات تنظيمية وإن كانت إسرائيل تزعم مسؤولية فصيل بعينه عن هذه الموجة.

وفي هذه الرسالة أراد الضفاويون أن يؤكدوا للفصائل أن المجتمع تقدم عليها نضالياً، وأن الضفة لن تنتظر وفاقاً فصائلياً على مشروع للمقاومة.

رابعة الرسائل كانت موجهة إلى الولايات المتحدة والمجتمع الدولي ومفادها أن الحديث عن أي صفقة للحل سيظل مجرد حديث طالما ظل الاحتلال جاثماً على صدور الفلسطينيين. ولعل القيادة الفلسطينية التقطت هذه الرسالة عندما طالبت مجلس الأمن بتحمل مسؤولياته في حماية الشعب الفلسطيني.

وربما تساهم الموجة الأخيرة من العمليات في إرجاء إضافي لإعلان واشنطن تفاصيل خطتها للتسوية وهي الخطة التي تسميها "صفقة القرن" والتي لا يعرف أحد مضمونها الكامل حتى الآن.

وقد يكون في الكشف الجديد لقدرات المقاومة في الضفة ما يقنع الإدارة الأمريكية بعدم جدوى الصفقة على الأقل، البنود المتعلقة بالفلسطينيين.

كانت هذه الرسائل الأربع واضحة تماماً للجميع، وربما كانت متوقعة من قبل البعض ممن لم يفقدوا الأمل ولم يستسلموا لقهر الأمر الواقع. لكن ما فاجأ الجميع كانت الرسائل الشعبية التي تمثلت في الإسناد والموقف التكافلي الذي عبر عنه فلسطينيو العالم من خلال مبادرات فردية متفرقة لكنها كثيرة، كان أبرزها التبرع بالمساكن لذوي الشهداء المهدومة منازلهم، ومن خلال الحشود التي خرجت إلى شوارع مدن الضفة تعبيراً عن دعمها للمقاومة واستعدادها للمضي في تحمل ردات الفعل الانتقامية الإسرائيلية، وقدرتها على "دفع الثمن" رغم خشية الطبقة السياسية الحاكمة من هذا الثمن.

قد يستنتج محللون أن نتائج موجة العمليات الأخيرة لن تكون مجدية بسبب استنكاف القيادة السياسية عن البناء عليها واستثمارها السياسي في المحافل الدولية، لكن هذا الاستنتاج يظل ناقصاً لأنه لا يأخذ في الحسبان قدرة المجتمع الفلسطيني على تجاوز الفصائل وقياداتها والمضي في تطوير أشكال المقاومة بعيدا عن الحسابات التي تراعي الحساسيات التنظيمية وتحتكم إلى الظروف الإقليمية.