مسجد مريم أم عيسى عليهما السلام في الإمارات (أرشيف)
مسجد مريم أم عيسى عليهما السلام في الإمارات (أرشيف)
الثلاثاء 18 ديسمبر 2018 / 20:20

في الإمارات … مسجد مريمَ أم عيسى عليهما السلام

تقترب الأيام الطيبة التي يجتمعُ فيها العالم بأسره على الفرح والبهجات وتبادل أنخاب التهاني الصافية. يوم استثنائي قريب، سوف يمر على هذا الكوكب من شرقه إلى غربه مع تتابع خطوط الطول، فيقول إنسان لأخيه الإنسان: "عام جديد وسعيد. كل عام وأنت شقيقي في الإنسانية".

صغارًا كنّا، لا ندري من فينا مسلمٌ ومن فينا مسيحي، لكننا نعرفُ أننا أشقاءُ كبرنا معًا لنفرح معًا ونجدل معًا سعفات النخيل. ثم نُهدي صنعاتِ أيادينا لأصدقائنا وأمهاتنا ومُعلّماتنا في المدرسة

يوم يتفق فيه البشر على اختلاف أعراقهم وعقائدهم ومذاهبهم على محبة رسول السلام، السيد المسيح عليه وعلى أمه السلام. نقف على أبواب عام جديد، يُقربنا نحو المستقبل خطوةً، وينأى بنا خطوةً عن الماضي بكل مراراته وتمزقاتها التي صنعها مَن يكرهون الحياةَ ويحاربون وحدةَ الإنسان على هذه الأرض الحزينة، مهما كانت الاختلافاتُ بيننا كبشر. تلك مشيئةُ الله العزيز الحكيم أن نكون مختلفين، ذاك أن الاختلافَ ثراء وغنى وثروة بشرية، وليس مدعاةً للنزاع والاقتتال.

ولكن، والشكرُ لله، هناك دائماً نبلاء يرأبون الصدوعَ التي يصنعها الُمرجفون. أولئك النبلاءُ واثقون ثابتون في إيمانهم بال، فلا يرجفون إن اختلفت عقائد الناس، إنما يزدادون إيماناً بأن الله هو النور الأبهى والأنصع والأشمل الذي يشرق في عيوننا مثل شمسٍ لا تغيب. الله هو النور الذي يتمركز في قلب هذا الكون، يُصوب البشر أنظارهم صوبه، أجمعين فيرسل إليهم فيوض رحمته. أتذكر الآن واقعةً نبيلة تؤكد تلك الفكرة النيرة.

يوم الأحد 9 أبريل (نيسان) 2017، في مدينة أبو ظبي، عاصمة "كوكب" الإمارات العربية المتحدة، كنت أقف أمام ساحة مسجد "الشيخ محمد بن زايد"، أحمل في يدي سعفةَ نخيل خضراءَ، مشبوكةً في غُصن وردة بيضاء، أهدتها لي صبية آسيوية نحيلة، كانت تقف على باب الكاتدرائية المصرية بمدينة أبو ظبي، تبيع أغصانَ السعف للناس في عيد السعف.

باب الكاتدرائية المصرية يجاور بابَ المسجد الإماراتي. ويلتقيان كشقيقين عند ساحةٍ واسعة تضم بشراً من جميع جنسيات الأرض، فيهم المسلم وفيهم المسيحي، وفيهم غير ذلك. يجمعهم حب الله وتُظللهم مِظلة الإنسانية الواسعة، وتحميهم وترعاهم دولة، أسميتها "كوكباً"، لأنها سبقت دول العالم بأسره في خلق حال مبهجة من التحضر والمحبة والإنسانية والسمو.

كان ذلك اليوم يوافق "أحد السعف"، ذلك العيد الذي تعودت، منذ طفولتي، أن أحتفل فيه بجدل أغصان السعف، مع أصدقائي وأسرتي. صغاراً كنا، لا ندري من فينا مسلم ومن فينا مسيحي، لكننا نعرف أننا أشقاء كبرنا معاً لنفرح معًا ونجدل معاً سعفات النخيل. ثم نهدي صنعاتِ أيادينا لأصدقائنا وأمهاتنا ومُعلماتنا في المدرسة.

في ذلك اليوم كنت خارج وطني مصر، في مهمة قصيرة بالإمارات. لكنني لا أسمح للأسفار أن تمنعني من الحفاظ على طقوس الفرح الطيب. نزلت من الفندق وقت العصر لأجلب بعض السعفات من كاتدرائيتنا المصرية "كاتدرائية الأنبا أنطونيوس للأقباط الأرثوذوكس" بأبو ظبي.

جلبت السعفات الخضر من الكاتدرائية ثم ركضت نحو باب المسجد الكبير لألتقط الصور التذكارية مع أشقائي الأقباط والمسلمين المقيمين في كوكب الإمارات، أحتفل معهم بعيدهم، كما سيحتفلون معي بعد أيام بعيد الفطر المبارك وقتذاك.

ذلك المسجد الجميل، لم يعد موجوداً الآن في أبو ظبي. إن بحثت عن مسجد بهذا الاسم في منطقة المشرف، لن يدُلك عليه أحد. فقد تحول اسمه من مسجد الشيخ محمد بن زايد إلى مسجد مريم أم عيسى عليهما السلام. حدث ذلك بقرار مباشر من الشيخ محمد بن زايد، ولي عهد أبو ظبي، وقائد القوات المسلحة الإماراتية، نفسه.

 وبالفعل تم تغيير الاسم بأمر مباشر من النبيل صاحب ذلك الاسم، ذاته، فأي نبلٍ وأي تحضر وأي سمو! وافتتحته الشيخة لبنى خالد القاسمي، وزيرة التعاون الدولي في أبو ظبي، باسمه الجديد مسجد مريم أم عيسى، في حفل تاريخي هائل، حضرته وفود مثقفة من رموز دولة الإمارات، ومن رجال الدين الإسلامي ورجال الدين المسيحي بدولة الإمارات العربية المتحدة.

لماذا غيروا اسم المسجد الفخم المُهيب؟ لأنهم نبلاءُ متحضرون. أرادوا أن يرسلوا رسالةً واعيةً إلى العالم أجمع في وقت شيوع الإرهاب والتطرف باسم ديننا الحنيف. رسالة عملية تقول بجلاء ووضوح: "الإسلام ليس دين تطرف بل دينُ سمو وأخلاق". فالدين لله، وبيوت الله لكل البشر، والأرض والحب للجميع.

تحية احترام متجددة لشعب الإمارات المثقف، أبناء الشيخ زايد طيب اللهُ ثراه. الزعيم النبيل الذي نحتفل في مصر هذه الأيام بالذكرى المئويه لميلاده. وتحية احترام للشيخ محمد بن زايد، ولكل صناع القرار في ذلك البلد الأمين.

وكل عام والعالم أجمل وأكثر طيبةً وسمواً وتحضراً وقبولاً للآخر. وميري كريسماس لأشقائنا المسيحيين في مصر وفي سائر العالم.