الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.(أرشيف)
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.(أرشيف)
الأربعاء 19 ديسمبر 2018 / 14:40

أردوغان غضب لمقتل خاشقجي فيما دولته قتلت 100 صحافي وأكثر

كتبت الصحافية أوزاي بولوت أنّه منذ اغتيال الصحافي السعودي والناشط الإخواني جمال خاشقجي داخل القنصلية السعودية في إسطنبول، أخذ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يدين مرتكبي "الجريمة الوحشية" متعهداً بـ "كشف ما حدث" ومقدّماً نفسه كمدافع عن حقوق الإنسان.

الحكومة التركية لم تعترف أو تعتذر عن أي من هذه الجرائم وغيرها كما لم تعوض على المتضررين منها في أي مرحلة من تاريخها

وذكرت بولوت في معهد "غايتستون إنستيتيوت" كيف قال أردوغان في مؤتمر صحافي خلال قمة العشرين إنّ بلاده أطلعت العالم كله على مقتل خاشقجي وأنّ أجهزته الاستخبارية تجيب على أسئلة الإعلام الغربي والأمريكي وتقدّم جميع المعلومات المطلوبة.

أكبر سجان وقاتل للصحافيين
تردّ الصحافية على ادعاءات أردوغان عبر التذكير بأنّ الحكومة التركية هي أكبر سجّان وقاتل للصحافيين لدرجة أنّ رابطة الصحافيين الأتراك تحيي في 6 أبريل (نيسان) من كل سنة، "يوم الصحافيين المقتولين". تم إطلاق هذا الحدث في اليوم نفسه من سنة 1909 حين انتقد حسن فهمي، أول صحافي تعرض للقتل، الحكومة التركية. إنّ منصة التضامن مع الصحافيين الموقوفين أشارت إلى أنه بين 1909 و 2012، تم اغتيال 112 صحافياً وكاتباً في تركيا. من جهة ثانية، إنّ الاستخبارات التركية التي قال عنها أردوغان إنّها تؤمّن المعلومات للإعلام الغربي عن مقتل خاشقجي، لم تقدّم أي معلومة لعائلات الضحايا والذين يبحثون عن الحقيقة حول مصير الصحافيين والناشطين الأتراك الذين اختفوا ولم يتركوا أي أثر.

لا اعتبار لعواطف الأمهات
تضيف بولوت أنّ الأسوأ هو قيام حكومة أردوغان بقمع منظمة أهلية تُعرف ب "أمهات السبت" والتي كانت تقيم وقفات احتجاجية سلمية أسبوعية منذ سنة 1995 لتذكّر أحباء الأمهات المخفيين. في 25 أغسطس (آب) فرّقت شرطة اسطنبول تجمعاً بواسطة خراطيم المياه والغاز المسيل للدموع واعتقلت العشرات من المتظاهرات من ضمنهنّ الثمانينية أمينة أوجاك. منذ ذلك الوقت، واصلت الحكومة قمعها الأسبوعي لهذا التجمع. لقد كانت حالات "الاختفاء" خلال الثمانينات والتسعينات الأكثر رعباً وانتشاراً في تركيا. خلال هذه الفترة، تم اختطاف وقتل العديد من الأشخاص غالبيتهم من المواطنين الأكراد، من ضمنهم ناشطون وصحافيون ورجال أعمال. في تلك المرحلة، تأسست "أمهات السبت".

سجن بسبب كتاب
حتى اليوم، يبقى الرقم المحدد للضحايا مجهولاً ولم تتم إحالة إي مرتكب إلى المحكمة. في هذه الأثناء، لا تتحمل حكومة أردوغان حتى النقاش حول هذه المسألة. سنة 2005، حكمت محكمة الجنايات في اسطنبول على رئيس دار آرام للنشر فاتح تاش بالسجن لست سنوات لأنّه "أهان علناً جمهورية تركيا" بعد نشره كتاباً بعنوان "يقولون إنك اختفيت". تطرق الكتاب إلى اختفاء الصحافي ناظم بابا أوغلو (19 عاماً) سنة 1994 والذي احتُجز خلال عمله على تقرير استقصائي في جنوب شرق تركيا. وفي سبتمبر (أيلول) من السنة نفسها دانت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان تركيا لانتهاكها حق تاش بالتعبير عن الرأي.

اغتيالات في وضح النهار
للأسف، يستمر الصحافيون والناشطون الحقوقيون بالتعرض للقتل على يد "معتدين مجهولين". في نوفمبر 2015 مثلاً، قُتل المحامي الحقوقي الكردي طاهر إلجي في وضح النهار خلال مؤتمر صحافي. بعد ثلاث سنوات، يبقى المجرمون غير محددين ومنعت الشرطة التركية مؤخراً محامين في أنقرة بتنظيم تجمع تذكاري لصالحه. وجريمة اغتيال الصحافي الأرمني هرانت دينك المدافع عن حقوق الأقليات هي قضية بارزة أخرى. كان دينك رئيس تحرير صحيفة "أغوس" الصادرة باللغتين التركية والأرمنية وتحدث عن الإبادة الأرمنية. حوكم وفقاً للمادة 301 من قانون العقوبات التركي الذي يحرّم إهانة تركيا أو الحكومة التركية أو "تشويه سمعة تركيا".

قُتل دينك خارج مقر صحيفته في اسطنبول في 19 يناير (كانون الثاني) 2007. بعد 11 سنة على الاغتيال، لا تزال المحاكمة جارية. من بين 85 مدعى عليهم، بمن فيهم أفراد من الشرطة والاستخبارات والجيش، ستة فقط قيد الاعتقال لحين انتهاء المحاكمة. وفي 18 ديسمبر عُقدت جلسة الاستماع رقم 83.

قتل أفضل طبيب في المنطقة

تم استهداف المفكرين الأشوريين في تركيا بشكل ممنهج. اغتيل ناشر الصحيفة الأشورية مهاديونو دوثوريه البروفسور أشور يوسف وناشرة صحيفة سيفورو بيسار حلمي بوروكو خلال المجزرة التي طالت الأشوريين بين سنتي 1915 و 1923. وبما أنّ الحكومة تنكر المجزرة بقوة، لم يتم تحقيق العدالة بالنسبة إلى ورثة الضحيتين. من جهة أخرى، لم يتوقف اغتيال الأشوريين مع المجزرة. قُتل العديد من الزعماء في المجتمع المسيحي الأشوري في التسعينات من بينهم إدوار تانريوردي الذي يدعوه المحليون بأنّه "أفضل طبيب في المنطقة" في مديات التركية. وبغضّ النظر عن دعوات الأشوريين المتكررة لتحقيق العدالة، يبقى المجرمون "مجهولين".

اليوم، تصدر جميع وسائل الإعلام في تركيا تقريباً باللغة التركية وأغلِقت غالبية الصحف التابعة للأقليات. الصحافة الصادرة باليونانية على مشارف الاختفاء. وخلال الحملات التي طالت اليونانيين في اسطنبول سنة 1955، هاجم الأتراك كل ما كان يملكه هؤلاء بما فيه الصحف.

متى يصوّب الإعلام الغربي عمله؟
إنّ الحكومة التركية لم تعترف أو تعتذر عن أي من هذه الجرائم وغيرها كما لم تعوض على المتضررين منها في أي مرحلة من تاريخها. إنّ الإفلات من العقاب الذي استمر في الماضي هو الذي يؤدي إلى الظلم اليوم. هنالك على الأقل 170 صحافياً وموظفاً إعلامياً في السجون التركية، وفقاً لمنصة الصحافة المستقلة. وصدّرت تركيا عادتها في ملاحقة الصحافيّين المعارضين إلى الجزء الشمالي من قبرص الذي تحتله بشكل غير شرعي منذ سنة 1974. يواجه شينير ليفنت، صحافي قبرصي تركي بارز، المحاكمة في "جمهورية قبرص الشمالية" التي تعترف بها تركيا فقط، ومن مدعين عامين في أنقرة.

تشدد بولوت على أنّ تعبير أردوغان عن الغضب إزاء مقتل خاشقجي هو منافق ومزيف. وتضيف أنّه آن الأوان للإعلام الغربي التوقف عن الاعتماد على المسؤولين الأتراك كي يحصلوا على معلومات موثوق بها في تقاريرهم عن خاشقجي، والبدء بتسليط الضوء على اضطهاد تركيا المميت لصحافييها.