رسم زيتي للأديب الألماني يوهان فولفغانغ فون غوته (أرشيف)
رسم زيتي للأديب الألماني يوهان فولفغانغ فون غوته (أرشيف)
الخميس 20 ديسمبر 2018 / 19:41

نماذج معرفية جديدة... أدب العالم وآداب الشرق الأوسط

ثمة مصطلحات نقدية أدبية لاتخلو من حمولات ثقافية وسياسية تحيل إليها وتكون مرجعياتها الرئيسة، ومن هذه المصطلحات مصطلحا "أدب العالم"و"آداب الشرق الأوسط" اللذان يروجان بقوة في الآونة الأخيرة.

نحتاج حقًا إلى دور حقيقي يقوم به النقاد العرب للإدلاء بدلوهم في تطوير هذه المفاهيم النقدية والاشتغال عليها وتفكيكها بما يحقق إضافة معرفية حقيقية إلى حقول المعرفة الإنسانية

وعندما وظف غوته مصطلح "أدب العالم" في كتاباته كان يريد به أنساق التعبير الناشئة التي استخدمتها دول أوروبا للتواصل وإقامة أسس التفاهم والتعايش المتبادلين مع الحضارات والثقافات المختلفة، ولم يكن هذا المفهوم وفق التراث الرومنطيقيّ الذي انتمى إليه غوته، يهدف إلى تحقيق أدب كوني جامع شامل.

إن "أدب العالم" في النماذج التي تطورت فيما بعد كانت تميل إلى سرديات مقتضبة اختزالية وأحادية النظرة في تفسير آداب العالم المختلفة بالعودة إلى المركزيات الأوروبية الثقافية دون الانتباه إلى عناصر الائتلاف والاختلاف بينها.

وهكذا يتم تجاهل الآداب المكتوبة بلغات محلية في مقابل كثافة الاستشهاد بنصوص مكتوبة بلغات أوروبية "كولونيالية".

لقد همش منظرو "أدب العالم" بعض النقاد الذين ينتمون إلى العالم الثالث مثل إدوارد سعيد خاصة في كتابه "الاستشراق والامبريالية"، واعتمد هؤلاء النقاد على أحادية لغوية مطلقة ترسخ المركزيات الأوروبية الحاكمة ثقافياً. فعلى سبيل المثال اشتغل الناقد فرانكو موريتي في كتابه "الرسم البياني والخرائط والأشجار"على نصوص ثمانية عشر ناقداً يكتبون باللغة الإنجليزية عدا اثنين منهم يكتبان بلغات محلية. كما يروج حالياً في الكتابات ما بعد الكولونياليّة والثقافية مصطلح آخر هو "آداب الشرق الأوسط".

ولاشك أن هذا المصطلح يثير إشكاليات عدة، إذ يظل مصطلح"الشرق الأوسط" محل خلاف فالبعض يراه مصطلحاً أطلقته الامبريالية الجديدة على منطقة كانت مرادفة لـ"الشرق الأدنى" في الحقبة الاستعمارية. والبعض يراه تسميةً "معتمدة" في الإشارة ضمنياً إلى ما يُعرف بـ"العالم الإسلامي".

أجرت أستاذة الأدب المقارن بالجامعة الأمريكية بالقاهرة فريال جبوري غزول ومجموعة من زملائها لقاءً مطولاً باللغة الإنجليزية مع مايكل بيرد أستاذ الأدب الإنجليزي بجامعة نورث داكوتا بالولايات المتحدة الأمريكية.

ويُعد مايكل بيرد ناقداً مختصاً واسع المعرفة بآداب الشرق الأوسط، وقادته تحولات السياسة الأمريكية والعالمية وكذلك دراساته المتعددة في مجال الأدب المقارن إلى التعرف أكثر إلى آداب الشرق الأوسط كما أسماها، ومن ذلك ترجمته بعض الأعمال التركية، والكردية، والفارسية، إلى اللغة الإنجليزية، وإتاحة هذه الأعمال للدارسين ووضعها في أطر تخصصية، وإثارة بعض القضايا الخاصة بهذه الآداب مثل ما إشكاليات العلاقة بين الأدب المقارن الإقليمي وبين التيارات الفكرية المتوجهة نحو أدب العالم، وما أساليب تعليم هذا الكم من الآداب المختلفة، وما استراتيجيات الترجمة ومشاكلها؟!

لم يستطع النقاد الثقافيون في مرحلة ما بعد الحداثة تطوير مفهوم "أدب العالم" ليخرج من حدوده الثقافية الضيقة جداً إلى "الآداب الكونية" المتسعة الأفق التي تُعنى بالمتشابه والمختلف ولا تلغي الخصوصيات الثقافية لأي أمة من الأمم، بل تحتفي بها في إطار كونية ثقافية شاملة. كما أنّ مصطلح "آداب الشرق الأوسط" الذي يروج له بعض النقاد العرب في مقارباتهم النقدية، لايزال مصطلحاً يعاني الكثير من القلق وعدم التحديد وتحتاج حدوده إلى ضبط منهجي إجرائي دقيق.

وإذا كانت المقاربات التي تنتظم في سياقه هي نفسها المقاربات الصادرة في الأصل عن دراسات ما بعد الكولونيالية والدراسات الثقافية فما الداعي إليه في الأصل؟! وإذا كان مصطلح "دراسات الشرق الأوسط" مصطلحاً سائداً في الأقسام الاستشراقية في الجامعات الغربية، فهل يُعد مصطلحاً حقيقياً دالاً على التنوع الثقافي والتعدديات الثقافية في آداب شعوب هذه المنطقة؟! وما حدود"الشرق الأوسط" في آداب "الشرق الأوسط"؟ نحتاج حقاً إلى دور حقيقي يلعبه النقاد العرب للإدلاء بدلوهم في تطوير هذه المفاهيم النقدية والاشتغال عليها وتفكيكها بما يحقق إضافةً معرفيةً حقيقيةً إلى حقول المعرفة الإنسانية.