السبت 22 ديسمبر 2018 / 19:50

العادة السرية

تُعتبر العادة السرية من أكثر الظواهر الشيزوفرنية في عالمنا العربي، فرغم كونها وسيلة تنفيس جنسية في متناول جميع الشباب والعزّاب، ورغم كونها أكثر ممارسة آمنة في العالم، إلا كثيراً من فاعليها يعتبرونها منطقة حمراء لا يجوز الاقتراب منها ولا الحديث عنها، وربما يكون ذلك راجعاً إلى ثقافة "حياء النهار وجرأة الليل" المتفشية في العالم العربي بكمية زائدة بعض الشيء.

ويبدو أن الخلاف في حكم العادة السرية قد دفع الشوكاني لتأليف كتاب "بلوغ المُنى في حكم الاستمنى"، تعقب فيها أدلة من حرمها ومن حللها، وانتصر فيها لرأي القائلين بإباحتها بل ووجوبها في بعض الأحيان، وضعّف جميع الأحاديث الواردة في تحريمها، ونقل أن الصحابة كانوا يفعلونها في أسفارهم، مما جاء في كتابه: (إن الإمام أحمد وأصحابه يجوزون الاستمناء مع خشية العنت ويجعلونه مكروهاً مع عدمها)، وروى عبدالرزاق في مصنفه عن مجاهد قوله: (كان من مضى يأمرون شبانهم بالاستمناء يستعفون بذلك)، وروى أيضاً عن عمرة بن دينار أنه ما كان يرى بالاستمناء بأساً، ونُقل عن أحمد قوله: (المني إخراج فضلة من البدن فجاز إخراجه).

مع كل ذلك، قد يتفهم المرء بواعث الخلاف الكبير بين العلماء في حكم العادة السرية، لكن ما لا يمكن تفهمه ولا قبوله انتصار أحدهم لتحريم العادة السرية عن طريق التلاعب بالحقائق الطبية، فلقد انتشرت كتيبات ومنشورات بين الناس وُشحت بوشاح الدين فقابلها الناس بالتصديق، وادعت أن العادة السرية تؤثر على الصحة الجنسية عل جسم الإنسان، فيدعي بعض أصحاب الكتيبات أن العادة السرية تؤدي إلى الضعف الجنسي وسرعة القذف وضعف الانتصاب وفقدان الشهوة، وتُسبب الإنهاك والآلام المزمنة والشتات الذهني وضعف الذاكرة وتفسد خلايا الدماغ، وتُسقط المبادئ والقيم، وتُزيل الحياء والعِفة وتؤدي إلى الطلاق وانتشار الفواحش، وأحد أصحاب الكتيبات يدعي أنه استقى ما توصل إليه من تجارب الشباب التائبين وبعض كبار السن من أصحاب الخبرة وبعض الكتب الطبية التي لم يذكر أسماءها.

من ناحية علمية بحتة، لا يوجد دليل علمي قطعي يثبت أن العادة السرية تؤثر على الأداء العقلي أو الجسدي للإنسان، بل المراجع الغربية ترى في العادة السرية طريقة محمودة لإزالة الإحتقان الجنسي خصوصا عند العزاب، ويرون فيها ممارسة آمنة تقي الإنسان من الأمراض الجنسية التي تنتقل بالاتصال الجنسي، يقول "ألفريد كينزي" في كتابه "السلوك الجنسي لدى المرأة" - والذي تكلف إخراجه سنيناً عديدة وجهوداً جبّارة - أنه برغم التاريخ الطويل من التأكيد على أن العادة السرية تدمر الصحة، فإنه لم يجد دليلاً واحداً على ذلك، والضرر الوحيد لممارستها هو الضرر النفسي الناتج عن الإحساس بالذنب.

في المقابل، توجد دراسات متضاربة في موضوع أضرار العادة السرية الطبية، لكنها لم تنهض بعد لتكون حجة قطعية، ولا يزال الأصل فيها عدم الضرر، فمثلاً هناك دراسة بريطانية توصلت إلى أن ممارسة العادة السرية بمعدل مرتين إلى سبع مرات أسبوعياً مرتبط بزيادة نسبة سرطان البروستات المبكر عند من كان يمارسه في العقد الثاني والثالث من العمر، لكن هذه العادة السرية نفسها مرتبطة بتخفيض نسبة سرطان البروستات عند ممارسيها مرة أو مرتين في الإسبوع في العقد الخامس من العمر، فاقترح بعض الباحثين أن سرطان البروستات ليس مرتبطاً بالعادة السرية؛ بقدر ما هو مرتبط بمعدلات هرمونات الأندروجين (Androgens) العالية عند من عنده قابلية جينية للإصابة بسرطان البروستات المرتبط بهرمونات الأندروجين، هذا ما جعل أصحاب الدراسة ينصحون بمبدأ الاعتدال فيها.

طبياً، تُستخدم العادة السرية لأخذ عينات من السائل المنوي عند المصابين بالمشاكل التناسلية، بل قد ينصح بها بعض المعالجين الجنسيين للزوجين كوسيلة للانسجام الجنسي عند الطرفين في الوصول إلى المتعة الجنسية، وبعض الخبراء يعتقدون أنها تحسن الصحة الجنسية عند الإنسان، لكن في بعض الأحيان قد تعتبر العادة السرية مشكلة تستحق التوقف عندها والتعامل معها إذا كانت تستخدم على حساب حق الطرف الآخر في المتعة الجنسية، أو إذا كانت تمارس في العلن بسبب بعض المشاكل النفسية، أو إذا كانت تسبب ضغطاً نفسياً على ممارسها لأي سبب كان.