الرئيسان التركي رجب طيب أردوغان والأمريكي دونالد ترامب.(أرشيف)
الرئيسان التركي رجب طيب أردوغان والأمريكي دونالد ترامب.(أرشيف)
الأحد 23 ديسمبر 2018 / 14:07

تكرار الأخطاء مستمر... أمريكا تكافئ أردوغان على سلوكه السيئ

في مقالهما بموقع "ديفنس وان" الأمريكي، أكد الباحثان أيكان إردمير وجون لَكنر أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لم يكن في موقع تفاوضي مناسب حين تلقى يوم الجمعة الماضي،اتصالاً من البيت الأبيض. فهو يواجه انكماشاً اقتصادياً، وتضخماً مزدوج الأرقام، ومنافسين أقوياء من المعارضة في الانتخابات المحلية التي ستشهدها تركيا في مارس (آذار) المقبل.

رفع الغطاء عن الشركاء الأكراد والعرب والسريان من صفوف قوات سوريا الديموقراطية يوجه رسالة إلى أصدقاء وأعداء أمريكا بأنّها ليست شريكاً موثوقاً به

لذلك، توقع الرئيس التركي ربما موقفاً ضاغطاً من نظيره الأمريكي. لكن عوض ذلك، تلقى أردوغان من ترامب يوم الأربعاء هديتين هائلتين تقوضان جهود أمريكا نفسها للعمل مع شركائها السوريين والتصدي للنفوذ الروسي.

أشار الكاتبان إلى أن الهدية الأولى هي الانسحاب الأمريكي من سوريا، أين عمدت أنقرة إلى التهديد بعمليات عسكرية ضد وحدات حماية الشعب الكردية التي تشكل عنصراً أساسياً من قوات سوريا الديموقراطية المتحالفة مع واشنطن في الصراع ضد داعش.

ولأمريكا قوات في تلك المنطقة وامتنعت حتى وقت قريب عن إعطاء أردوغان الضوء الأخضر لهذه العمليات.

أما الهدية الثانية فكانت الموافقة على بيع صواريخ باتريوت لأنقرة. وعوض إلغاء شراء صواريخ أس-400 الروسية، قال مسؤولون أتراك إنهم ينوون شراء النظامين.

لكن نظام أس-400 ليس متعارضاً مع أنظمة حلف شمال الأطلسي وحسب، بل إن استخدام أنقرة له إلى جانب مقاتلات أف-35 سيعرض قدرات المقاتلات للاختراق. ويدرك أردوغان المسائل التقنية، لكن هذا الموضوع مرتبط بحمايته الشخصية كما بنظرته المعادية للغرب.

هدية لرئيس يائس
هاتان الهديتان هما مكسب غير متوقع لأردوغان، فقبل الانتخابات المحلية كان الرئيس التركي اليائس لتشتيت انتباه الناخبين عن الأزمة الاقتصادية، يُعيد إحياء عداوات قديمة لاستقطاب قاعدته الشعبية مثل جورج سوروس، ومتظاهري حديقة غيزي، والأكراد.

إن حملة عسكرية تستهدف الأكراد السوريين ستؤمن له الإلهاء المثالي عن الإفلاس، وتدهور قيمة العملة في الداخل. وبتهدئة أردوغان حين يكون في أضعف موقف قبل الانتخابات، يكرر ترامب الأخطاء القديمة المرتكبة في انسحابات سابقة، مع زيادة المخاطر المعنوية. وهذه الأعمال ليست خطيرة على الشرق الأوسط فحسب، بل أيضاً على التحالف العابر للأطلسي.

هذا ما يحصل مع عدم استخلاص العبر
ولاسترضاء رجل قوي غير متعاون، وغير موثوق به، تختار إدارة ترامب تجاهل أخطاء الإدارة السابقة وعدم التعلم منها.

وبعكس ادعاءات الإدارة، لم يُهزم داعش، بل يعود إلى بداية انطلاقاته التمردية. في نوفمبر(تشرين الثاني)، أعلن البنتاغون أن التخلص من داعش "قد يستغرق سنوات"، فالعناصر الأساسية لصعود داعش إلى في سوريا والعراق لا تزال موجودة، هذا إن لم تصبح أكثر عدداً، مع عدوانية روسيا، وإيران في المنطقة.

وفي بالحد الأدنى، سيسمح الانسحاب الأمريكي لداعش بإعادة تجميع نفسه. وعلى الأرجح، ستجعل هذه الخطوة واشنطن غير مستعدة للأسلوب العنيف الذي سيعبر من خلاله التطرف الإسلامي عن نفسه لاحقاً. إن التضحية بالمصير الأمني للولايات المتحدة، مقابل غياب أي تغيير طفيف في موقف أردوغان، هو ببساطة سياسة سيئة.

لصالح إيران
إن استرضاء الرئيس التركي يضعف أيضاً سياسة واشنطن ضد إيران. إذ التزمت إدارة ترامب بإبقاء طهران ضمن حدودها، لكن الانسحاب من سوريا سيؤدي إلى عكس ذلك. فرفع الغطاء عن الشركاء الأكراد، والعرب، والسريان من صفوف قوات سوريا الديموقراطية، يوجه رسالة إلى أصدقاء وأعداء أمريكا بأنها ليست شريكاً موثوقاً.

وإن لم تكن هذه الكلفة كافية، فستستمر أزمة أس-400 بغض النظر عن محاولة مكافأة مستبد على سلوكه السيئ. فأردوغان ملتزم بنظام الأسلحة الروسية الصفقة التي ستؤسس لسوابق خطيرة بالنسبة إلى التدخل والتوسع الروسي في أوروبا.

على واشنطن البقاء في سوريا، لأن كلفة الانسحاب ضخمة جداً. فعوض أن يملأ داعش فقط الفراغ، ستكون روسيا، وإيران هذه المرة حاضرة لملئه. وقد تسهم الدوامة في دفع أردوغان إلى الكتلة التسلطية وتغير موقع تركيا الجيوسياسي.

لتوجيه رسائل واضحة
يطالب الكاتبان الولايات المتحدة بتوجيه رسائل واضحة لا متضاربة عبر عدد من فروع السلطة التنفيذية. فعلى واشنطن ألا تكافئ أردوغان الملتزم بشراء الأسلحة الروسية.

فالمخاطر المعنوية ستسمح لمخربين آخرين للناتو بالمحاججة لصالح تعددية في أوروبا ما يشكل خطراً مباشراً على الحلف العابر للأطلسي وقيمه. وآخر ما يريده الحلف هو الاستيقاظ على دعوة من المجر، أو من دولة أوروبية أخرى لشراء أنظمة أس-400، فالأزمة الحالية ليست سوريا، أوتركيا، أوالشرق الأوسط فقط، بل هي أيضاً حول مصير هذا الحلف، وبالتالي مصير الديموقراطية الليبيرالية والأسواق الحرة والمجتمعات المنفتحة.