السبت 29 ديسمبر 2018 / 21:26

ماغي متشيل سالم أم خاشقجي؟

فضيحة من العيار الثقيل دوّت في الآفاق عندما كشفت صحيفة الواشنطن بوست أن مقالات جمال خاشقجي رحمه الله، المنشورة فيها لم تُكتب بيد خاشقجي وإنما كانت بتوجيه وإعادة صياغة ماغي ميتشل سالم، المديرة التنفيذية لما يسمى مؤسسة قطر الدولية.
عندما نشرت الواشنطن بوست هذا الخبر ردّت ماغي سالم بأنها كانت تساعد خاشقجي في كتابة مقالاته نظراً لكونه محدود القدرات فيما يتعلق بالكتابة بالإنجليزية، وأنها فعلت هذا بدافع الصداقة. من هي ماغي ميتشيل سالم؟ تشير مسيرتها المهنية المقتضبة جداً، أنها قد عملت في وزارة الخارجية الأمريكية كمساعدة خاصة لوزيرة الخارجية حينها، مادلين أولبرايت، ثم كمساعدة للسفير مارتين إنديك في السفارة الأمريكية بتل ابيب - إسرائيل، ثم أمضت سنتين في سفارة أمريكا في مومباي بالهند، ثم انتقلت بعد المسيرة الحافلة للعمل في مؤسسة قطر الدولية.

لم يعد سراً ما تفعله هذه المؤسسة الخيرية من دعم للثورات في العالم العربي، وتظهر نشاطاتها بشكل سافر في بريطانيا، حيث تستضيف وتدعم كل دعاة الكراهية والتكفيريين والجماعات الإرهابية. المملكة تعيش مرحلة انتقالية كبرى، وتنفق مبالغ طائلة على الدعاية والإعلان للمشاريع السياحية في البلاد، في حين فاجأتنا الواشنطن بوست بمجموعة من المقالات تنسف كل هذا الجهد وتحارب هذا التوجه وتقول إن المملكة ليس فيها حريات فكيف ستكون فيها سياحة ناجحة، وهذه المقالات تحمل اسم جمال خاشقجي رحمه الله، ثم اتضح اليوم أن الزميل خاشقجي لم يكتب هذه المقالات.

حقيقة لم تكن هذه معلومة جديدة، فمن المعروف أن جمال لا يكتب بالإنكليزية. لكن لماذا سربت الصحيفة هذا الخبر الفضيحة، فمن يديرها صحفيون محترفون ويعرفون ما يفعلون؟ يبدو أننا أمام مشهد خلاف وقع بين الواشنطن بوست ومؤسسة قطر على الثمن التي كان على القطريين أن يدفعوه للصحيفة، لم يدفع القطريون فسربت الواشنطن بوست طرفاً من القصة كإشهار لطرف السكين، وربما ستظهر تفاصيل أخرى في مستقبل الأيام.

تراجع الواشنطن بوست لا يكفي، ورأيي أنه ينبغي لوزارة الخارجية السعودية أن ترفع دعوى ضد الصحيفة، وأن تتابع القضية وتتأكد من أن الصحيفة ستدفع ثمناً غالياً للمخالفات والأخطاء الكبيرة التي وقعت فيها بحق المملكة. الصحف الورقية تعاني في هذه الحقبة من تاريخها، ولهذا رأينا صحيفة بحجم وتاريخ الواشنطن بوست تنحدر إلى هذا الدرك، وكيف أمضت أشهر طويلة وهي تعمل كرجع صدى لقناة الجزيرة و"المصادر التركية" المزعومة، وها هي ملامح الخلاف تظهر.

ربما يصعب على النفس احتراماً لموقف الموت أن أكتب هذا الكلام، لكننا نحن من كنا نكتب في جريدة الوطن السعودية لا زلنا نتذكر أن المرحوم جمال خاشقجي عندما تولى رئاسة تحرير الوطن أمر بمسح كل الأرشيف، كل مقالات الكتّاب الذين يختلفون مع توجهه الفكري الإخواني، فعن أي حرية رأي يتحدثون؟!

وفي آخر لقاء جمعني بالمرحوم خاشقجي كان في ندوة الشيخ سعود المريبض وقد نصحته أمام الجميع، لم تكن نصيحة سرية، بأن يترك جماعة الإخوان المسلمين لأنه لن يجني منهم إلا الشوك، فكان جوابه أنه "ليس من جماعة الإخوان". جواب غير مقنع خصوصاً إذا رأينا له كتاباً يحمل عنوان "ربيع العرب: زمن الإخوان" وأنه قد كان يدافع عنهم في كل محفل ويزعم أن الموقف العالمي المعادي لهم، موقف خاطئ. ثم ها هم يتاجرون بدمه، لأن الإخوان لا يرون بأساً في أن يموت مئات الآلاف (من مواليهم قبل أعدائهم ) في سبيل عودة الخلافة وإركاع كل العرب لخليفتهم المزعوم في تركيا. جمال لا يعني لهم أي شيء على الإطلاق، هو بالنسبة لهم أداة حققت أهدافاً وسوف يحلبون قصته ما بقي فيها قطرة. هذا من أبسط الأسباب التي تجعلهم جماعة إرهابية بامتياز.

النتيجة أن النظام القطري ونظام أردوغان راعيا الإخوان المسلمين، قد ورطاه في هذه القصة التي انتهت نهاية تعيسة وجريمة شنيعة لا يمكن الدفاع عنها، وستظل أسرارها تتكشف لكن في الناحية الأخرى هذه المرة: الراوية "أرودغان" الذي لا زال يلت ويعجن في سرد نصوصها، في انتظار فضائح أخرى عن دوره الشخصي ودور النظام القطري، ودور قناة الجزيرة في تلك الحكاية. يخطئ من ينظر إلى الجزيرة على أنها مجرد قناة أخبار، قناة الجزيرة غرفة عمليات تديرها المخابرات القطرية وتشن منها حروبها، وحمد بن جاسم نفسه، مؤسس قناة الجزيرة، مرتبط ومتورط شخصياً بالانتماء إلى منظمات عالمية تسعى لإبقاء العالم العربي على صفيح ساخن، ولن يتوقفوا عن هذا الدور التخريبي، حتى يحصدوا ما زرعوه بأيديهم