رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو (أرشيف)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو (أرشيف)
الأحد 30 ديسمبر 2018 / 18:53

الانتخابات الإسرائيلية: أكثر من علامة استفهام...!

لا يختلف أحد، من مراقبي المشهد السياسي الإسرائيلي، على عدد من الحقائق وثيقة الصلة بالانتخابات الإسرائيلية القادمة في 9 أبريل (نيسان) المقبل، ومنها: أن هذه الجولة هي الأهم في تاريخ الانتخابات منذ قيام الدولة، وأن نتانياهو يقامر بكل تاريخه السياسي، ويعرف أن خسارته قد تعني نهاية حياته السياسية، وربما تقوده إلى السجن، وأن الانتخابات المُنتظرة، بكل ما تنطوي عليه من رهانات، ستكون صراع حياة أو موت في نظر الكثيرين.

تبقى علامات استفهام كثيرة معلّقة في الفضاء: هل سيُقدم المدعي العام على رفع الدعوى قبل أم بعد الانتخابات؟ هل سيتمكن خصوم نتانياهو من تشكيل جبّهة موّحدة، والعثور على قواسم سياسية مشتركة؟

والواقع أن مفتاح السر في هذا كله يتمثل في رهان نتانياهو على الفوز بولاية خامسة، لا ليكون حكمه الأطول في كل تاريخ الدولة الإسرائيلية وحسب، ولكن ليكون المؤسس الثاني للدولة نفسها، أيضاً.

فبن غوريون، المؤسس الأول للدولة ترك بصمة سياسية وأيديولوجية على هوية الدولة ومؤسساتها، وسياستها الداخلية والخارجية، حتى بعد غيابه عن المشهد بسنوات طويلة.

ونتانياهو، الذي عمل، منذ صعود نجمه في أواسط تسعينيات القرن الماضي، على تقويض ميراث الصهيونية العمالية، يسعى لتكريس هيمنة معسكر اليمين القومي الديني بالمعنى السياسي، والاجتماعي، والأيديولوجي، لسنوات طويلة قادمة. وقد تحقق الكثير من هذا المشروع على مدار عقدين من الزمن.

والواقع، أيضاً، أن هذا المسعى لا يصدر عن دوافع سياسية وأيديولوجية منزهة عن الهوى، بل ينم عن قناعة بوحدة المصيرين الشخصي والعام. مصيره، ومصير الدولة. لذا، لا يبدو من قبيل الصدفة استشهاد خصومه السياسيين، هذه الأيام، بعبارة "أنا الدولة، والدولة أنا" المنسوبة للملك لويس الرابع عشر، للتحذير من مخاطر ربط مصير الدولة وخياراتها، بالمصير الشخصي لنتانياهو.

واللافت في هذا السياق، أن المصير الشخصي لنتانياهو يبدو، في الوقت الحاضر، معلقاً بين يدي المدعي العام، الذي استلم توصية رسمية من الشرطة بعد تحقيق استمر سنوات، برفع دعوى لمحاكمة المذكور بتهمة الارتشاء، وخيانة الأمانة، وسوء التصرف بالمال العام.

ومن غير المعروف، حتى الآن، إذا كان المدعي العام سيُقدم على هذه الخطوة قبل الانتخابات أو بعدها.

وهذا السؤال بالذات، وثيق الصلة بتأويل وتفسير الدعوة لانتخابات مبكرة. فالبعض يعتقد أن نتانياهو يريد قطع الطريق على المدعي العام، الذي لن يجرؤ على رفع الدعوى ضده، وتقديمه للمحاكمة، في أشهر تسبق الانتخابات، وفي حال فوزه في الانتخابات القادمة سيسعى مع شركائه في الحكومة لسن قانون يمنع محاكمة رئيس للحكومة في زمن ولايته.

وفي حال غامر المدعي العام برفع الدعوى، كما حدث في الولايات المتحدة عندما قدم رئيس مكتب التحقيقات الفيدرالي تقريراً عن البريد الإلكتروني الخاص لمرشحة الديمقراطيين هيلاري كلينتون، سيلعب نتانياهو دور الضحية، الذي تلاحقه أجهزة "الدولة العميقة"، ويحاول التدليل في حال فوزه بأغلبية كبيرة على حقيقة أنه حصل على البراءة من "الشعب"، وجمهور الناخبين. وهذا يعني ضغوطاً إضافيةً على الجهاز القضائي.

لذلك، يحذر الكثير من خصومه، وحلفائه السابقين، من مخاطر مجازفات كثيرة قد يُقدم عليها في سياق المعركة الانتخابية، بما فيها اللعب بورقة "الأمن"، الرابحة دائماً لدى جمهور الناخبين.

وفي هذا الصدد، ذكر وزير الدفاع السابق موشي يعالون، أن قضية الأنفاق على الحدود اللبنانية، مثلاً، ليست جديدة تماماً، بل معروفة منذ سنوات.

واللافت أن قائمة الخصوم السياسيين، خاصةً في معسكر اليمين، تشهد إعادة تموضع، ونشوء أحزاب وقوائم انتخابية جديدة، وبعضها من الوزن الثقيل.

فبيني غانتس رئيس الأركان السابق، دخل الحلبة بحزب جديد، وكذلك يعالون، كما خرج من حزب "البيت اليهودي" قياديان ووزيران في حكومة نتانياهو، هما وزير التعليم نفتالي بينيت، ووزيرة العدل آيليت شاكيد، لإنشاء حزب جديد باسم "اليمين الجديد".

ودخلت الحلبة، أيضاً، عضو الكنيست المستقلة أورلي ليفي، ابنة ديفيد ليفي، أحد أقطاب الليكود السابقين، الذي أطاح به نتانياهو، والتي تسعى لحصد نسبة كبيرة من أصوات اليهود الشرقيين. وسبق كل هؤلاء أفيغدور ليبرمان، صاحب القاعدة العريضة في أوساط اليهود الروس.

بمعنى آخر، يجابه نتانياهو تحدياً غير مسبوق على جبهة اليمين، وهي قاعدته التقليدية. وحتى في حال فشل هؤلاء في تشكيل تحالفات قوية، فإن في مجرد وجودهم ما يعني تفتيت أصوات المعسكر التقليدي لليمين.

ومع ذلك، لا ينبغي التقليل من حجم "شعبية" نتانياهو لدى جمهور الناخبين من المستوطنين وأنصارهم وجماعات الضغط، ولا من قدرته على إدارة المعركة الانتخابية.

لذا، تبقى علامات استفهام كثيرة معلقة في الفضاء: هل سيُقدم المدعي العام على رفع الدعوى قبل أم بعد الانتخابات؟ هل سيتمكن خصوم نتانياهو من تشكيل جبهة موحدة، والعثور على قواسم سياسية مشتركة؟ وما هي الأوراق المفاجئة التي سيُدير بها نتانياهو لعبة انتخابية هي الأهم والأخطر في كل تاريخه السياسي؟ وهل سيبقى في سدة الحكم أم سيكون مصيره السجن؟

لكل من هذه الأسئلة تداعيات قصيرة وبعيدة المدى، وفي كل منها ما يتجاوز المصير الشخصي لهذا السياسي أو ذاك، ويمس هوية الدولة الإسرائيلية نفسها، ونظامها السياسي، ومستقبل الحرب والسلام في هذا الجزء من العالم.