غلاف كتاب "الإسلام في الليبرالية" لجوزيف مسعد  (أرشيف)
غلاف كتاب "الإسلام في الليبرالية" لجوزيف مسعد (أرشيف)
الثلاثاء 1 يناير 2019 / 18:51

الليبرالية العارية

تطلق تنظيرات المفكر جوزيف مسعد حول كتابه الأخير "الإسلام في الليبرالية" زوبعة من الشكوك حول قدرة الليبراليين العرب على فهم إرثهم العربي والإسلامي والتعامل معه.

يزيد من عمق مأزق الليبراليين العرب الصدمات المتلاحقة التي توجهها متغيرات وتحولات السياسات الأمريكية والأوروبية الراهنة ومآلات الأزمات التي أفضت إلى ما وصفه ريجيس دوبريه بسقوط المقدس العلماني وعودة المقدس الديني

يُعيد مسعد ظهور الفكر الليبرالي في الغرب إلى زمن التوسع الإمبراطوري ليناقش من خلال النشوء وسياقاته ما يعتبره علاقة عضوية بين ذلك الزمن والمشاريع الاستعمارية التي استهدفت بلاد العرب والمسلمين.

مناخات الظهور تقود إلى تفاصيل يسعى الكتاب وصاحبه لتوضيحها بينها الدور الذي تلعبه النظرة إلى الإسلام في تكوين الليبرالية كإيديولوجية والسياسات الأوروبية والغربية تجاه الإسلام حيث تتوقف الطروحات عند المفاهيم التي تتعامل مع الإسلام باعتباره نقيض الحرية والفردية والتسامح والعقلانية، الأمر الذي يضعه في مواجهة التفكير الليبرالي.

بذلك يأتي الكتاب والتنظيرات المبنية عليه امتداداً لمحاولات قام بها مسعد وغيره لفهم نظرة الآخر للعرب والمسلمين، وإفرازات تفكيره التي تتأثر بها نخب عربية ساعية للنهوض بمجتمعاتها.

تفكيك هذه النظرة أو التعامل معها بشكل نقدي ينتهي في العادة إلى توسيع الشرخ المختلف على أسبابه وتباين الرؤى حول احتمالات ردمه وإمكانيات التعايش معه بأقل قدر ممكن من الأضرار.

توحي أسئلة الشرخ، الذي عمل مسعد على سبر أغواره من خلال كتابيه "الإسلام في الليبرالية" و"اشتهاء العرب" ومقالات يكتبها بين الحين الآخر، بلُبس استيعاب النخب الليبرالية العربية للذات والآخر، ولا تتيح الأرضية التي يتم عليها طرح العلاقة بين الإسلام والليبرالية افتراض أخذ الليبراليين العرب تراثهم بقدر كاف من الجدية، أو قدرتهم على دراسته وفهمه بالشكل الذي يوفر روافع حقيقية للبناء ما يعني مواصلة الدوران في حلقة مفرغة والبقاء على الهوامش.

يزيد من عمق مأزق الليبراليين العرب الصدمات المتلاحقة التي توجهها متغيرات وتحولات السياسات الأمريكية والأوروبية الراهنة، ومآلات الأزمات التي أفضت إلى ما وصفه ريجيس دوبريه، بسقوط المقدس العلماني وعودة المقدس الديني.

يضاف إلى ذلك قلة مردود السجالات التي انشغل بها الليبراليون العرب على الحياة اليومية في بلادهم إذا ما قيس بما حققته تيارات فكرية وسياسية أخرى تباينت في اتساع حضورها وسرعة انكفائها خلال العقود الماضية.

تدفع التأويلات والتطورات المتلاحقة للاعتقاد بتسطيح طيف واسع من الليبراليين العرب القضايا التي تعيق النهوض ببلادهم، ما يكرس القناعة بأهمية إعادة النظر في ما جرى التعامل معه خلال العقود الماضية باعتباره مسلمات يُمكن البناء عليها لتحديث البنى السياسية والاجتماعية .