الرئيس الأمريكي دونالد ترامب (أرشيف)
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب (أرشيف)
الأربعاء 2 يناير 2019 / 19:12

... للذين قالوا: تفاؤل

يتقدم العالم من سنة إلى أخرى بوجه كالح ومتجهم يصدم، للأسف، آمال "المتفائلين". ذاك أنه يخشى أن يكون العام الجديد 2019، عام الحصاد المُر لما زُرع في العام المنصرم 2018. وهذا الذي زُرع سيئ جداً.

قدّم الانتقال من عام إلى عام برهاناً آخر يحمل على عدم الثقة بقرارات ترامب وجدّيّتها: إنّه الانسحاب من سوريّا الذي أعلن عنه قبل أن يخفّفه ويضيف إليه استدراكات قد توحي بالتراجع عنه في آخر المطاف

في اليومين الأولين من العام الجديد ظهرت ثلاث إشارات سلبية أسرعت في المجيء إلينا وتذكيرنا بما نحن فيه:

الإشارة الأولى، رمزية واحتفالية، لكنها بمفاعيلها المقبلة لن تبقى كذلك: إنها تسلم جايير بولسونارو منصب رئاسة الجمهورية، الذي سبق أن انتُخب إليه في البرازيل. بولسونارو لا يخفي عنصريته الصريحة والفجة، بل البدائية، حيال الأجانب واللاجئين والسود والفقراء.

وهو، إلى ذلك، أعلن أنه سوف يفتح الباب واسعاً لمشاريع الاستثمار في غابة الأمازون، التي تُعد المصدر الأول للأمطار في العالم، وقد ينقل سفارة بلده إلى القدس تيمناً بمثاله الأعلى دونالد ترامب.

الثانية من طبيعة تهديدية، وهي إعلان الرئيس الصيني شي جين بينغ أن بلده يريد استعادة تايوان سلماً إلى الوحدة والسيادة الصينيتين، لكنه مع هذا، لن يتخلى "عن خيار استخدام القوة العسكرية"، إذ "لا يمكن لأحد أن يغيّر حقيقة أن تايوان جزء من الصين".

ما لا شك فيه أن الإعلان الصيني هذا إنما ينطوي على رسالة تشدد موجهة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، راعية تايوان وحكمها الذاتي.

الثالثة، وهي وصف سيء آخر لأحوال عالمنا: خطاب راؤول كاسترو، الرئيس الكوبي السابق الذي احتفظ بقيادته للحزب الشيوعي الحاكم، الذي اتهم فيه الولايات المتحدة بالعودة إلى "سياسة المواجهة" التي كانت قد بدأت بالانحسار في العهد الآفل لباراك أوباما.

طبعاً يستطيع من يدقق أكثر أن يعثر على المزيد من الإشارات غير المشجعة التي يتفاوت حضورها وتأثيرها بين بلد وآخر وقارة وأخرى. لكن قد يكون لافتاً في "تأصيل" التوتر المستجد، إذا صح هذا التعبير، أنّ كلمة جين بينغ ترافقت مع الذكرى الأربعينية لبداية العلاقة الصينية الأمريكية إبان رئاسة جيمي كارتر في 1979، بينما جاءت كلمة كاسترو بمناسبة الذكرى الستين لانتصار الثورة الكوبيّة التي قادها شقيقه فيديل في 1959.

هذا "التأصيل" إنما يشي بحجم الارتداد إلى بعض أسوأ ما عرفته حقبة الحرب الباردة ما بين نهاية الحرب العالميّة الثانية وانهيار المعسكر السوفياتي في أواخر الثمانينات.

"المتفائلون" وهم قلة على أي حال، لا يملكون من أسباب التفاؤل سوى تغريدة كتبها دونالد ترامب على تويتر، يقول فيها إن اتصالاً مشجعاً حصل بينه وبين الرئيس الصيني، وإن "تقدماً كبيراً" قد يكون في الأفق.

وهذا، إذا ما صح، لن يكون قليل الأهمية سياسياً واستراتيجياً واقتصادياً على السواء. لكن هل يصح ذلك، وهل يمكن التعويل على تغريدة للرئيس الأمريكي؟

لقد قدم الانتقال من عام إلى عام برهاناً آخر يحمل على عدم الثقة بقرارات ترامب وجديتها: إنه الانسحاب من سوريا الذي أعلن عنه قبل أن يخففه ويضيف إليه استدراكات قد توحي بالتراجع عنه في آخر المطاف.

أما الصحافي الأمريكي غلين كِسلر فنبهنا، استناداً إلى رصد الأخبار والمعلومات الكاذبة، إلى أن سيد البيت الأبيض، وعلى مدى الـ 2018، أطلق ما معدله 15 قولاً زائفاً في اليوم الواحد!
ربما كان في هذا كله ما يحصننا حيال إغراءات "التفاؤل" الساذج.