الكاتب الإسرائيلي الراحل عاموس عوز (أرشيف)
الكاتب الإسرائيلي الراحل عاموس عوز (أرشيف)
الخميس 3 يناير 2019 / 20:10

مراثي عاموس عوز الصهيوني الحزين

"حنة وميخائيل"، رواية "عوز الأولى، هي التي قدمته بقوة في المشهد الأدبي العبري، ليس ككاتب موهوب ولكن ككاتب مختلف

مثل خيط من المراثي اليائسة تبدو الآن وصايا عاموس عوز الكاتب الإسرائيلي الذي توفي الأسبوع الماضي عن 79 عاماً. خيط من النبوءات المحزنة التي غلفها بتفاؤل خاص. هذا المزيج الذي وسم الرجل منذ اعتبر أن الاحتلال أفسد "الدولة" وأن الحل الوحيد الممكن للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، هو "المشاركة" في الأرض من خلال دولتين، وأن المواجهة الجارية هي بين "صالحين" و"صالحين"، هذا المزيج هو الذي منحه تلك الصفات التي أطلقها عليه كتاب وصحافيون في "إسرائيل"، صفات وصلت حد تقديمه كـ"قديس صهيوني"، حافظ حتى موته في مستوطنة في الجنوب على "الأخلاق والقيم اليهودية"، تلك التي تبدأ، أو يمكن الحديث عنها، مباشرة بعد تأسيس "الدولة"، بينما لا يبدو الأمر مهماً أو قابلاً للنقاش قبل ذلك التاريخ!

"حنة وميخائيل"، رواية عوز الأولى، هي التي قدمته بقوة في المشهد الأدبي العبري، ليس ككاتب موهوب ولكن ككاتب مختلف، لقد خرجت عبر شخصياتها التي تفتقر لـ"البطولة" التي ميزت أعمال "جيل البالماخ" وبقيت عالقة مع "جيل الموجة الجديدة"، خرجت من تلك المناطق المأهولة بمثاليات وبطولات تنفيذ الأحلام التي رافقت "التأسيس" والاستغراق في الحديث عن مجتمع نموذجي يخلو من الأنانية، ويسوده الحب والتفاني وقيم العائلة في مواجهة "الشر" المطلق الذي يمثله "العرب"، وذهبت مباشرة نحو المصائر الفردية لأشخاص يحاولون البقاء في محيط يتبدل بعنف، بالضبط من علاقة زوجية فاشلة لشابين من "جيل الصابرا".

ليس ثمة عرب في الرواية ليتكئ عليهم الأبطال اليهود في بناء بطولتهم كما جرت العادة، ولكنهم، العرب، يواصلون الظهور في أحلام "حنة"، يأتون من ذكريات طفولتها في القدس على هيئة التوأم "خليل وعزيز" أبناء "راشد شحادة"، الذين تم تهجيرهم نحو شتاتهم، يكبرون هناك في أحلام الزوجة الضجرة، يتحركون مثل أشباح تستحضرهم "حنة" في أحلامها.

ورغم أنهم لا يهبطون إلى الأرض بهيئاتهم وأفكار المخيم الذي انتقلوا إليه ويواصلون حنينهم الذي لا يتوقف في أحلامها، إلا أنهم يشكلون هاجساً عميقاً يجعل من كل شيء حدث فيما بعد ناقصاً ومهدداً.

لا تسمح هذه المساحة للذهاب أبعد في قراءة الرواية الهامة وتتبع شخوصها وإشاراتها بدلالاتها العميقة، وهذا يشمل "شبكة" اللغات واللهجات التي يتحدث بها المهاجرون اليهود، البولندية واليديش، والروسية، والألمانية، والعربية، والفارسية...، والتي شكلت خلفية تلقي بظلالها على لغة الحوار ونسيج الشخصيات التي تتحرك داخل العمل. إلا أنها تشير إلى منظومة الأفكار التي حكمت مسيرة عاموس عوز، الكاتب الأهم في إسرائيل.

ولد عاموس عوز في القدس عام 1939، شارك ضمن وحدة دبابات في حربي يونيو(حزيران) 1967 وأكتوبر(تشرين الأول) 1973، ولكنه واصل الحديث عن حقوق الفلسطينيين في الأرض، انتقد بقوة ضمن مجموعة من الشباب اليهودي "عبادة الفرد" أيام بن غوريون وتظاهر ضد مناحيم بيغن في الثمانينات ولم يتخل عن صهيونيته، التي بدت انتقائيةً وخاصةً، هذا التناقض العميق هو الذي دفع إيريك سيلفر المحرر الأدبي في "جيروزاليم بوست" لمواجهة عوز في حوار عام 1972، عوز اعترف بذلك: "أنا صهيوني، ولكني صهيوني حزين، فأنا أرى أن العالمية ضرورية واعتبر الوطنية مفهوماً عتيقاً ومدمراً".