شعارا حركتي فتح وحماس.(أرشيف)
شعارا حركتي فتح وحماس.(أرشيف)
الإثنين 7 يناير 2019 / 19:53

جبهة إنقاذ وطني.. لم لا؟

يعيش الفلسطينيون الآن نكبة ثالثة، ولا بد من تجاوزها بالتفكير خارج صناديق الفصائل المتناحرة

لم يعرف الفلسطينيون منذ انطلاق ثورتهم الموؤودة لحظة أكثر قتامة من هذه اللحظة السوداء التي يترسخ فيها الانقسام بين الضفة الغربية وقطاع غزة، وتصر سلطتا حكم الأمر الواقع في رام الله وغزة على المضي في أدوار يبدو أنها مرسومة مسبقا للوصول إلى هذه اللحظة التي يندثر فيها المشروع الوطني وتتقدم أجندات فصائلية تتناحر للسطو على ما تبقى من تراب محروق بالاحتلال، وتسدد فيها السلطتان فواتير الانخراط في اللعبة الأمريكية من خلال التشبث بالتنسيق الأمني مع العدو في الضفة والتهدئة الأمنية مع العدو في غزة، وتشيحان عن الصراع مع الاحتلال لتفتعلا صراعاً داخلياً ينجز أهداف إسرائيل بأدوات محلية.

في الأيام القليلة الماضية دخلت اللعبة آخر مراحلها، واشتعلت المواجهة الحادة بين حركتي فتح وحماس، وتم الزج بعشرات وربما مئات النشطاء السياسيين والكوادر في سجون الضفة وغزة، وواصلت السلطتان إصدار بيانات الإدانة لهذه الاعتقالات وكأنها تتم في بلد بعيد لا يخضع لحكمهما.

ثم جاء قرار رئيس السلطة أبو مازن بسحب موظفي السلطة من معبر رفح وكأنه يريد إغلاق المعبر الذي يعتبر الرئة الوحيدة التي تتنفس منها غزة وأهلها.

واقعياً تحقق جزء كبير من مؤامرة الانقسام ولم يبق إلا تحلل رئيس السلطة مما تبقى من التزامات مالية تجاه موظفي السلطة في غزة، وهو يلمح باستمرار إلى الاقتراب من فك الارتباط بشكل كامل مع القطاع بعد سلسلة العقوبات التي أقرها ضد أبناء غزة.

على المستوى السياسي تواصل السلطتان التبجح برفضهما للخطة الأمريكية المسماة بصفقة القرن، بينما هما في واقع الأمر يهيئان لتمرير هذه المؤامرة من خلال ترسيخ الفصل بين جناحي الدولة الموعودة. ولعل من البديهي القول إن هذه الصفقة لا يمكن أن تمر إلا من خلال الانقسام القائم.

ما الحل إذن؟ وكيف يمكن الخروج من عنق الزجاجة؟
قبل أشهر كان هناك حديث عن جبهة للانقاذ الوطني كإطار بديل قادر على تصحيح المسار وإعادة الحياة إلى المشروع الوطني الجامع، لكن الحديث توقف فجأة، وكأن هناك من تدخل لوقف البحث في هذا المشروع وتشكيل هذه الجبهة التي تتضح الآن الحاجة إليها باعتبارها مخرجاً وحيداً من حالة البؤس وانعدام الأمل في الساحة الفلسطينية.
لم يعد لدى الفلسطينيين الآن قدرة على الرهان على مشروع تحمله فتح بعد انقلابها على ذاتها، وليس في مقدورهم الرهان على مشروع تحمله حماس التي ترفع شعار المقاومة بينما تخضع لشروط الارتباط بالمحور القطري – التركي الذي يؤدي مهام تنفيذية بالنيابة عن إسرائيل.

أما تنظيمات اليسار المنضوية في منظمة التحرير فإنها لا تزال ملتزمة بخطاب تقليدي تجاوزته المرحلة، وتجهد في صد هجمات اليمين الديني الذي تمثله حماس والابتزاز المالي الذي يمارسه رئيس السلطة.

لم يكن هناك رهان إلا على الخروج من حصار الانقسام والقفز عن أجندتي فتح المتحولة عن المشروع الوطني وحماس الملتزمة بنهج الجماعة، وذلك من خلال المبادرة إلى تشكيل جبهة إنقاذ وطني تضم قيادات وكوادر من الفصائل وشخصيات وطنية مستقلة تعيد الاعتبار إلى ميثاق منظمة التحرير الفلسطينية، وتطلق مشروعاً تصحيحياً يعتمد المواجهة مع المشروع الاحتلالي، ويحدد وسائل وأشكال هذه المواجهة الممكنة، ويحظى في النهاية بإدارك القوى الإقليمية والدولية لنشوء حالة فلسطينية جديدة لا تقبل الخفة المخجلة في التعامل معها.

يعيش الفلسطينيون الآن نكبة ثالثة، ولا بد من تجاوزها بالتفكير خارج صناديق الفصائل المتناحرة.