اسمهان (أرشيف)
اسمهان (أرشيف)
الإثنين 14 يناير 2019 / 19:25

اسمهان مجدداً

ضمن سلسلة "طبق الأصل" التي ضمت في جملة ما ضمت كتاب طه حسين الأصلي "في الشعر الجاهلي". أعادت دار الجديد كتاب "اسمهان" الذي كتبه فوميل لبيب الصحافي المصري الذي رافق أنور السادات في زيارته لإسرائيل. نص الكتاب، هو كما رواه فؤاد، شقيق اسمهان الذي شاعت عنه قسوته على أخته وتمسكه بأهداب التقاليد الدرزية.

هذه الصبية التي كانت تهرب من البيت والعائلة حتى طُردت منهما، تفاجأ حين نعلم أنها استطاعت حقاً أن تكون أميرة في سوريا واتصل بها الحلفاء لتعينهم أوان الحرب على دخول الجبل السوري، وحاولت الانتحار مرتين

روى فؤاد وكتب فوميل قصة الفنانة التي رحلت منذ أربع وسبعين عاماً ولا تزال أسطورةً حيةً، بل هي من ندرة لم يختف اسمها بالموت بل زاد تألقاً، وحظيت في السنوات الأخيرة باهتمام استثنائي فزاد ذكرها وأنشئت حول سيرتها الكتب، وأعيدت سيرتها في فيلم وثائقي شاركت في كتابة سينورياه الروائية إيمان حميدان، وليس هذا معتاداً عندنا فالأغلب أن الزمن يطوي المشاهير حال غيابهم، وإذا أحصينا الذين بقي ذكرهم لا نتجاوز عدد أصابع اليد.

بقي صوت اسمهان وبقيت أغانيها، وبقيت سيرتها وبقيت صورتها. كان ذلك على الأرجح نادراً واستثنائياً لقد شاركت حياتها الفريدة صوتها وغناءها الفريدين. بقيت بفنها كما بقيت بسيرتها، أما الذي بقي من سيرة الأميرة الدرزية فهو ما لا نجده إلا في النادر في حياة امرأة عربية، قدر من الاستقلال والخروج لم نعرفهما في أي من معاصراتها، واحتجنا إلى عقود كثيرة حتى بدأ ذلك النموذج في الظهور، والحق أنه لا يزال حتى هذه اللحظة فريداً، فأن يكون النموذج لصاحبة الصوت الأجمل، والأكثر سحراً لأميرة، ولمغامرة سياسية ولامرأة شبهت بمارتا هاري، ولا يزال الغموض يحيط بحياتها وموتها ولا تزال أسطورة بحد ذاتها.

مع ذلك فإن الكتاب الذي صدر في بيروت 1966 ظل من حينه شبه منسي ولم ينتشر في طبعة ثانية. كان فؤاد الذي شاعت قسوته عليها هو الراوي، وفي الرواية كان أخاً وعدا عن أنه روى خروج اسمهان على البيت والتقاليد وإفراطها في الخروج واستغراقها في الشرب، والقمار وهذا معروف عنها، فإنه بقي أخاً لم يصمها بشيء بل اجتهد ليزيل عنها أي وصمة.

شاع أن اسمهان التي ارتحلت بها مع إخوتها والدتها عالية الى مصر. السبب الذي يذكره فؤاد ويكتبه فوميل هو انتفاضة الدروز على الفرنسيين، ولا نعلم إلا في نهاية الكتاب أن فهد الأطرش "الزوج" كان شريباً مدمناً، ومقامراً مدمناً ومسرفاً شديد الإسراف بماله يبدده كيفما اتفق.

صفات لا نعرف مكانها في تشريد الأسرة وافتراقها عن الأب وإيثارها الفقر والعزلة في مصر على حياة الأمراء معه. مع ذلك تبقى هجرة الأميرة عالية أم اسمهان وارتضاؤها بيع حليها ولجوؤها الى خياطة الثياب لإطعام أطفالها، أول السر الذي شكل كل حياة آل الأطرش في مصر، خاصةً أمل الأطرش التي اتخذت فيما بعد اسم اسمهان.

هذه الصبية التي كانت تهرب من البيت والعائلة حتى طُردت منهما، تفاجئ حين نعلم أنها استطاعت حقاً أن تكون أميرة في سوريا، واتصل بها الحلفاء لتعينهم أوان الحرب على دخول الجبل السوري، وحاولت الانتحار مرتين.

مع ذلك يفاجئنا فوميل لبيب ببداية شكسبيرية لروايته، فالعراف تنبأ في جملة ما تنبأ لأسمهان بالموت شابة وفي الماء، ونبقى طوال الفترة في انتظار هذه النهاية حتى نعلم بها من اتصال تلفوني.

خاتمة حياة اسمهان نعرفها فقط من اتصال تلفوني، بينما شجارها مع أحمد سالم المخرج الذي انتهى برصاصة في جسد الرجل مفصل متأنٍ، ويكاد يكون مشهداً سينمائياً.

بالطبع لا يتكلم فؤاد عن فظاظته، فهو الراوي يغسل وصماته، ووصمات اسمهان ولا يذكر في النهاية وصمات أبيه.

لقد انتدب نفسه للدفاع عن العائلة ودافع عنها ضد اسمهان كما دافع عن اسمهان ضد نفسها، ولا يزال يدافع عنها طوال الكتاب.