الرائد مصطفى عبيد.. ضحية غدر الإرهاب(أرشيف)
الرائد مصطفى عبيد.. ضحية غدر الإرهاب(أرشيف)
الثلاثاء 15 يناير 2019 / 20:33

من مصر… الرئيسُ يُطلقُ طائرَ المحبة

نتذكّرُ بكل فخر وتقدير، أولَ شهداء مصر الشرفاء في عام ٢٠١٩، وهو الرائد "مصطفى عبيد"، الضابط بإدارة المفرقعات بالحماية المدنية في الشرطة المصرية. شابٌّ في الخامسة والثلاثين من عمره سبقه عشرات ومئات الشهداء الذين قدّموا أرواحهم على مذبح الطائفية والتكفير قرباناً لله ولمصر

من قلب العاصمة الإدارية الجديدة بالقاهرة، ترحّم الرئيسُ المصري محمد عبد الفتاح السيسي على شهداء الوطن الأبرار، من أبطال الجيش والشرطة، الذين جادوا بالدم النبيل في سبيل استقرار وطنهم العزيز مصر وأمن شعبنا الطيب. ثم أعلن الرئيسُ، من قلب الكاتدرائية الجديدة أن المصريين قد غرسوا "شجرة المحبة" معًا يدًا بيد، لتورق في فضاءات الدنيا بأسرها، فيعرفُ العالمُ أن المحبةَ والسلام والتسامح ستظلُّ تسكنُ أرضَ مصر، رغم ما يصنعه أهلُ الشرّ من محاولات إرهابية بين الحين والحين، يتصدّى لها أمنُنا الباسل.

 كان ذلك عشيةَ عيد الميلاد المجيد، يوم ٦ يناير (كانون الثاني) الماضي، حيث ذهبنا، نحن مجموعة من الأدباء والفنانين والشخصيات عامة، يتقدّمنا الرئيسُ السيسي وشيخُ الأزهر الشريف، لنحتفل مع قداسة البابا تواضروس وأشقائنا المسيحيين بعيدهم، كما اعتدنا في كل عام.

 وقد قرّر الرئيسُ هذا العام أن تتزامن ثلاثُ احتفالياتٍ مهمة في يوم واحد. أولاً: احتفالنا مع أشقائنا المسيحيين بافتتاح كاتدرائية "ميلاد المسيح" أكبر كاتدرائية في الشرق الأوسط، مع فضيلة الإمام الأكبر، وثانياً: احتفال قداسة البابا وأشقائنا المسيحيين معنا نحن المسلمين بافتتاح مسجد "الفتاح العليم"، بأرض العاصمة الإدارية الجديدة أيضًا، وثالثاً: أن يكون الاحتفالان السابقان على شرف يوم ميلاد رسول السلام، السيد المسيح عليه وعلى أمّه البتول السلام . تلك هي الرسالة التي أراد أن يرسلها الرئيسُ إلى الشعب المصري والعالم بأسره: أن تُدشّن أكبر وأفخم كاتدرائية في الشرق الأوسط، جوار مسجد فخم هائل، في عيد ميلاد رسول السلام والمحبة؛ تلك هي الرسالةُ الأولى. وأما الرسالةُ الثانية، فهي أن يفتتح قداسةُ البابا مسجدَ المسلمين، وأن يفتتح فضيلةُ الإمام الأكبر كاتدرائيةَ المسيحيين، والقاسمُ المشتركُ بينهما هو رئيسُ الدولة. في رسالة واضحة إلى العالم أجمع تقول: إن الدولة المصرية تقفُ على مسافة متساوية من جميع عقائد أبنائها. وأن الفُرقة والشقاقَ والطائفية، لا محلّ لها في مصر.

للعام الخامس على التوالي، يحرص الرئيسُ عبد الفتاح السيسي على تهنئة المصريين الأقباط المسيحيين في عيد الميلاد المجيد، من قلب الكاتدرائية المصرية. الأعوام الثلاثة الأوَل، كان الاحتفالُ في الكاتدرائية المرقسية بالعباسية، تلك التي احتفلنا بعيد ميلادها الخمسين في العام الماضي. وفي العامين الأخيرين كان الاحتفالُ بعيد الميلاد في الكاتدرائية الجديدة بالعاصمة الإدارية الجديدة: "كاتدرائية ميلاد المسيح"، تلك التي احتفلنا العام الماضي أيضًا بافتتاحها التجريبي في ٦ يناير ٢٠١٨، قبل الانتهاء من بنائها، واحتفلنا هذا العام يوم ٦ يناير ٢٠١٩ بافتتاحها الرسمي، في تزامن مع افتتاح مسجد "الفتاح العليم" على مرمى حجر من الكاتدرائية.

نتذكّرُ بكل فخر وتقدير، أولَ شهداء مصر الشرفاء في عام ٢٠١٩، وهو الرائد "مصطفى عبيد"، الضابط بإدارة المفرقعات بالحماية المدنية في الشرطة المصرية. شابٌّ في الخامسة والثلاثين من عمره سبقه عشرات ومئات الشهداء الذين قدّموا أرواحهم على مذبح الطائفية والتكفير قرباناً لله سبحانه وتعالى، وقرباناً لمصر وأمنها واستقرارها وذودًا عن أرواح أشقائنا المسيحيين أبناء مصر الطيبة، التي لا تعترف إلا بأبنائها الشرفاء الذين لا يعرفون الفرقة ولا الشقاق ولا العنصرية ولا الطائفية.

ذلك الضابط النبيل، الرائد "مصطفى عبيد" رحمه الله، نجح في تفكيك عبوة ناسفة مخبأة داخل حقيبة شريرة مخفاة فوق سطح أحد المنازل في عزبة الهجانة، كانت تستهدف تفجير إحدى الكنائس بمنطقة حي مدينة نصر. فوأد البطلُ الشهيدُ مذبحة سوداء كانت حتمية مُحققّة الوقوع؛ لولا يقظة رجال الأمن المصريين، وحرصهم على أرواح أبناء الوطن المسالمين. هذا الضابط المسلم افتدى بدمه أرواحَ أشقائه المسيحيين، وترك لأرملته الطبيبة طفلين صغيرين (يارا- يوسف)، سوف يكبران مع الأيام ويفخران بأبيهما البطل. زوجته، الدكتورة آيات، قالت والدموع تُشرِق في عينيها حَزَنًا وفقدًا: “الحمد لله ربنا اختاره للشهادة الكريمة. مايغلاش على ربنا، ولا على مصر. وقلتُ لأطفالي أن والدهم الآن في مكان أجمل من الأرض.” وأمّن على كلماتها والدُ الشهيد، اللواء عبيد الأزهري بالقوات المسلحة المصرية، الذي قدّم ولده فداءً لمصر، وافتداءً لأبنائها الأقباط. تلك هي أوراق "شجرة المحبة" التي تكلّم عنها الرئيس السيسي في خطابه يوم عيد الميلاد، والتي ستظلُّ تنمو وتُزهرَ حتى تُظلّل أرجاء مصر، بإذن الله.