الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.(أرشيف)
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.(أرشيف)
الخميس 17 يناير 2019 / 19:15

هل تدفع واشنطن حزب العمال وأنقرة إلى طاولة المفاوضات؟

رأى الصحافي التركي البارز ياوز بيدر أنّ العصر الحالي يتميز بكونه مثيراً للدهشة بسبب غياب العقلانية لدى محللين سياسيين في أنحاء مختلفة من العالم. لكنه شرح في مقاله ضمن صحيفة "ذي أراب ويكلي" اللندنية أنّه لا يتحدث عن تحليل ملفات كالبريكست أو الجدار بين الولايات المتحدة والمكسيك بل عن منطقة تعتبر أم جميع المشاكل وهي الشرق الأوسط.

لو كان أردوغان صادقاً لكان استغل الفرصة الذهبية والدعم العام للتفاوض حول مسار للسلام مع الأكراد منذ خمس سنوات. لكنه دمرها

وما ينشر غياب العقلانية كالوباء، هو تسارع الفوضى في واشنطن. لقد بدأت مع إدارة أوباما واستمرت مع القرارات المتقلبة الصادمة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب إضافة إلى مجموعة من الإقالات والاستقالات وليست أقلها استقالة وزير الدفاع جايمس ماتيس.

صعد وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو إلى مسرح الأحداث مؤخراً. في العاشر من الشهر الحالي، كان بومبيو في مصر حيث لم يناقض ما قاله باراك أوباما منذ عقد في القاهرة وحسب بل أيضاً قرار رئيسه ترامب. قال بومبيو في الجامعة الأمريكية في القاهرة إنّ "أمريكا هي قوة خير في الشرق الأوسط" مضيفاً: "حينما تنسحب أمريكا، فالفوضى تلي (الانسحاب)". وأشار إلى أنّ ترامب اتّخذ قراره بإعادة القوات الأمريكية في سوريا إلى ديارها مفسراً بأنّ هذا الأمر "ليس تغييراً في المهمة". وتابع بومبيو: "نبقى ملتزمين بتفكيك تهديد (داعش) بالكامل وبالمكافحة المستمرة للإسلاموية الراديكالية بأشكالها كافّة".

تركيا المخرّبة.. لصالح روسيا وإيران
هنالك صراع ليّ أذرع في سوريا لا ينتهي فيما روسيا وإيران تستعدان بفرح للخطوات التالية في عصر ما بعد سايكس-بيكو إذ تأملان من الواقع الجديد أن يقلّص دور حلف شمال الأطلسي المختل وظيفياً، ومن تركيا أن تصبح مخرّبة للّعبة لمصلحتيهما. إنّ توقع ما تريده أنقرة في هذه الصورة الفوضوية هو تخمين الجميع. لكن ما ينقص عموماً أي تحليل شامل هو أنّ الفوضى العميقة في الإدارة الأمريكية تستمر في مواكبة الصراع الداخلي في أنقرة. في أروقة السلطة داخل العاصمة التركية، يبقى الصراع سرياً لكن حاداً. ويطرح الصحافي عدداً من التساؤلات: هل الرئيس التركي رجب طيب إردوغان يتولى حقاً إدارة الدفة؟ ماذا عمّن هم مؤيدون علناً لإعادة فتح الحوار مع دمشق والتقرب أكثر إلى موسكو؟ هل يدرك أردوغان أنّ هذه العناصر تهيئ الأرضية بشكل ماكر لإجباره على اتّخاذ وجهة مختلفة؟

مساومة كبيرة؟

هذه هي القوى نفسها التي تتّحد مع أردوغان ضد ما يرونه عدواً مشتركاً أي الأكراد. إنّهم مركزون على ما يجب أن يحدث إذا كان عليهم تقاسم السلطة مع أردوغان وإسلامييه. ستبقى المعركة ضد الأكراد بلا هوادة حيث سيكون مهماً الحفاظ على مستويات عالية من الضغوط عليهم في الداخل وفي سوريا. بوجود الرسائل المتضاربة من الولايات المتحدة، تبقى مذهلة رؤية بعض المراقبين يتحدثون عن فرصة جديدة في هذا الواقع. اقترح هؤلاء أنّ قرار ترامب بسحب قواته من سوريا هو تمهيد لمساومة كبيرة تقوم على سلام شامل بين تركيا والأكراد في المنطقة. ويعلّق بيدر على هذا التحليل متسائلاً بكلمة: "حقاً؟"

المزيد من الترهات
يتابع الكاتب مشيراً إلى أنّه لو استمع المتابعون لهؤلاء النقاد الذين يبدو أنه يتم أخذ تحليلهم بجدية حتى من قبل صحيفة واشنطن بوست، فسيجدون أنّ الوقت مناسب للبيت الأبيض كي ينخرط مع أنقرة ويجبر عدوها الأساسي، حزب العمال الكردستاني، على إطلاق محادثات جديدة معها. على الرغم من ذلك، يتوافق هؤلاء النقاد على ضرورة توفر شرط واحد على الأقل. انسحاب حزب العمال من تركيا وإعطاء أردوغان الحرية لإتمام الباقي وهو تبني دور الحامي للأكراد في المنطقة. ويضيف بيدر أنّه سيتم سماع المزيد من هذه الترهات في الأسابيع المقبلة. غياب العقلانية أصبح وباء.

لماذا ستسقط هذه النظرية؟
لو كان أردوغان صادقاً لكان استغل الفرصة الذهبية والدعم العام للتفاوض حول مسار للسلام مع الأكراد منذ خمس سنوات. لكنه دمرها. لماذا سيقوم بشيء مختلف اليوم بوجود صقور محيطين به؟ يضاف إلى ذلك أنّ تسوية كبيرة ستتطلب تغييراً جوهرياً لإعطاء الأكراد السوريين جميع حقوقهم وكذلك محاسبة المسؤولين عن الجرائم ضد الانسانية والتي ارتُكبت منذ سنة 2015. هذه أحلام تطفو على فكرة أنّ الولايات المتحدة المهتمة بصد تقدم إيران ستساعد على التقريب بين أنقرة وحزب العمال. ويختم بيدر كاتباً: "لكن هذه هي الأزمنة التي نعيش فيها. لا أخبار مزيّفة وحسب بل آراء مزيّفة أيضاً".