رئيس الحكومة الفلسطينية رامي الحمدالله مترئساً اجتماعاً لمجلس الوزراء.(أرشيف)
رئيس الحكومة الفلسطينية رامي الحمدالله مترئساً اجتماعاً لمجلس الوزراء.(أرشيف)
الخميس 17 يناير 2019 / 20:10

فلسطين ... تفكيك الشرعيات الثلاث

العمر الطويل، نسبياً، الذي حصلت عليه هذه الحكومة لم يكن نتيجة لدورها أو أدائها، كان قادماً، بالضبط، من تعثر الاتفاق بين حركتي "فتح" و"حماس"، وفشل مشروع "المصالحة"، وقبل كل شيء من الحاجة للوقت

يبدو أن العمر الافتراضي لحكومة "رامي الحمدالله" الفلسطينية قد شارف على الانتهاء، وهي، الحكومة، التي عاشت وتنفست وتغذت على الحافة لفترة طويلة، معلقة من اسمها الأول، "حكومة الوفاق الوطني"، كما جرى الاتفاق على تسميتها في إحدى "نوبات المصالحة" العديدة التي لم يكن مقدراً لها أن تحدث.

العمر الطويل، نسبياً، الذي حصلت عليه هذه الحكومة لم يكن نتيجة لدورها أو أدائها، كان قادماً. بالضبط، من تعثر الاتفاق بين حركتي "فتح" و"حماس"، وفشل مشروع "المصالحة"، وقبل كل شيء من الحاجة للوقت. فبدت أقرب الى "لجنة تسيير أعمال" منها إلى "حكومة"، ومع تراكم القناعة لدى الشارع الفلسطيني بأن موضوع "المصالحة" هو أقرب إلى تكتيك متفق عليه بين الفرقاء لإدارة الانقسام، ظهرت الحكومة كغطاء مؤقت يفتقر للثقة.

يجلس وزراء الحمد الله حول مائدة اجتماع الثلاثاء الأسبوعي بينما تتفكك حولهم الأشياء بتسارع، تتفكك الجدران وتسقط النوافذ والستائر، والرفوف وخزانة الملفات وتتآكل الأرضية، بحيث يقتصر المشهد من الشارع على طاولة اجتماعات بقياسات كبيرة معلقة في الفضاء، مثل جزيرة معزولة فقدت جسورها لليابسة.

الأحاديث بدأت تتردد في كواليس "المقاطعة" ومقر اللجنة المركزية لحركة فتح، منذ عشية اجتماع "المجلس الوطني" حول الوقت المتبقي لتلك الطاولة، بعد أن أغلق الباب أمام "الوفاق"، وبعد أن تفاقمت أزمات الحكومة وتراجعت شعبيتها إلى الحضيض أمام احتجاجات الشارع، (يمكن هنا، كنموذج، الحديث عن إدارتها لأزمة "صندوق الضمان الاجتماعي"، إدارة انبنت على تجاهل المطالب الشعبية والعناد غير المفهوم والإصرار الغريب على تنفيذ القانون دون إجراء حوار وطني حقيقي حول القانون وبنوده والمواد الإشكالية فيه).

أحاديث "المقاطعة" تجاوزت منذ فترة التوقيت وهي تدور الآن حول أسماء بديلة مثل "عزام الأحمد" و"محمد شتية" عضوي اللجنة المركزية لحركة فتح، لعل أوضح هذه الإشارات جاءت من تصريح لعضو اللجنة المركزية والوزير "حسين الشيخ" قال فيه إنه "لم يعد هناك ضرورة لحكومة وفاق وطني" بعد استنفاذ ملف المصالحة وتصاعد الأزمة حد القطيعة بين رام الله وغزة، التي بلغت ذروتها في قرار حماس بمنع الاحتفال بانطلاقة الثورة في غزة، المترافق مع حملة اعتقالات غير مسبوقة في أوساط حركة فتح وكوادرها في غزة.

حكومة الحمد الله هي جزء من عملية التفكيك الجارية في هياكل السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وبعض المواقع المؤثرة في منظمة التحرير، فقد سبقها حل "المجلس التشريعي" بقرار من "المحكمة الدستورية"، ومؤخرا جاء قرار "المحكمة العليا" بتجميد النائب العام لـ"عدم اكتمال الإجراءات القانونية لتنسيبه"، قرار المحكمة جاء صادماً خاصة وأن النائب العام يتولى مهمته منذ ثلاث سنوات، وثمة قرارات، بعضها إشكالي، اتخذها خلال تلك الفترة الطويلة سيطرح، على ضوء توقيفه، مدى قانونيتها.

التوقيف المؤقت للنائب العام، والذي قد ينتهي بإعادته إلى موقعه أو إعفائه وإعادته إلى البيت، سيترك ندوباً عميقة في صورة المؤسسة القضائية في فلسطين، فهو يعكس صراعات ظهرت مؤخراً إلى السطح داخل مؤسسة القضاء ووزارة العدل من جهة، وحجم التدخلات الخارجية ونفوذها من جهة أخرى، وتأثيرهذا الصراع على نزاهة المؤسسة القضائية في مستوى ثالث، وسيطرح في الشارع أسئلة جديدة ومشروعة حول نزاهة المنظومة كاملة.

الشرعيات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية تتعثر في ارتباكها وتتواصل وتتسع أزمة الثقة بينها وبين الشارع فيما تتعزز "شرعية الرئاسة" كبديل لكل حالة اختفاء، مقصودة أو بسبب عوامل التآكل، بينما على الأرض تتحرك آلة الاحتلال بذراعيها، الجيش والمستوطنين، على كامل الضفة الغربية والقدس، وتخضع "العاصمة المؤقتة" منذ أسابيع لاقتحامات دوريات الاحتلال التي تكاد لا تغادر شوارعها وأحياءها.

ليس واضحاً بعد إلى أين تتجه الأمور هنا في رام الله، ثمة نفاد واضح للوقت، إذ يبدو أن كل شيء ينتظر الانفجار الذي سيشكل الحل الوحيد المتوفر بين أيدي الناس.