المفكر الهنديّ وأستاذ الاقتصاد الحائز على جائزة نوبل آمارتيا سنْ. (أرشيف)
المفكر الهنديّ وأستاذ الاقتصاد الحائز على جائزة نوبل آمارتيا سنْ. (أرشيف)
الخميس 17 يناير 2019 / 20:47

آمارتيا سن .. الهنديّ المولع بالحِجاج!

رغم تشكيك دعاة الهند العلمانية بالكلاسيكيات الهندوسية وأثرها في تشكيل الهوية الهندية، إلا أنَّ هذه الكتب والسرديات القديمة كانت ذات تأثير كبير جدًا على الأدب والفكر الهنديين

آمارتيا سنْ Amartya Sen المفكر الهنديّ وأستاذ الاقتصاد الحائز على جائزة نوبل ألّف كتاباً على قدر كبير من الأهمية والتأثير، ولربّما يضاهي عمله اشتغالات إدوارد سعيد في تفكيك الاستشراق ونقده. إنَّ كتاب"'The Argumentative Indian, Writings on Indian History, Culture and Identity"، وترجمته بالعربيّة "الهنديّ المولع بالحِجاج: كتابات عن تاريخ الهند وثقافتها وهويتها"، يُعد من الكتب التأسيسيّة في مجال اشتغاله المنهجيّ رغم حداثة إصداره (أُصدِرَتْ الطبعة الإنجليزية الأولى من الكتاب عام 2005). إنَّ هذا الكتاب هو غربلة واسعة لسائر مناحي تاريخ الهند وثقافتها، وتحليل مصقول لجملة السجالات، كما جاء في تقرير صحيفة الفايننشال تايمز عنه. وقد تناول كتاب آمارتيا سنْ أربعة محاور هي: الصوت والهرطقة، والثقافة والتواصل، والسياسة والاحتجاج، والعقل والهوية.

عندما ألَّف العالم المسلم البيرونيّ في القرن الخامس للهجرة كتابه "تحقيق ما للهند من مقولة مقبولة في العقل أو مرذولة" كتب في تصدير الكتاب عن الهنود: "إنَّهم يعتقدون في الأرض أنها أرضهم وفي الناس أنهم جنسهم وفي الملوك أنَّهم رؤساؤهم وفي الدين أنَّه نحلتهم وفي العلم أنَّه ما معهم فيترفعون ويتبرمون ويعجبون بأنفسهم فيجهلون، وفي طباعهم الضن بما يعرفونه والإفراط في الصيانة له عن غير أهله منهم فكيف عن غيرهم؛ على أنهم لايظنون أنَّ في الأرض غير بلدانهم وفي الناس غير سكانها وأنَّ للخلق غيرهم علمًا".

يفصلنا عن هذا القول قرابة أحد عشر قرنًا مرّت على الهند فيها حقب تاريخية متواصلة، وتعرّضت لاستعمار كولونيالي ّ بريطانيّ أثّر فيها ثقافيًا واجتماعيًا وسياسيًا، ويوجد في العالم شتات هنديّ يُقدَّر تعداده بعشرين مليونًا أو أكثر بعضهم تمَّ استيعابه اجتماعيًا وسياسيًا في بعض الدول مثل بريطانيا والولايات المتحدة وماليزيا وكينيا وغيرها، وهذا ما يخلق تلك المفارقة الثقافية الكبرى بين الرغبة في الاحتفاظ بالهوية الهندية والاعتزاز بها وبين استيعاب ثقافات الدول التي تمَّت الهجرة إليها.

يشدّد أنصار الحركة الهندوسية الذين يسمون حركة"الهندوتفا"Hindutva على المبالغة في دور"الهند القديمة" لفهم "هند" اليوم. وأنصار هذه الحركة ـ كما يذكر آمارتيا سن ـ هم جماعة هندوسية تحاول اختزال الهند الحديثة في "هند" ما قبل الفتح الإسلاميّ فقط، وهم يستحضرون "الفيدات"Vedas المقدسة المؤلفة في الألفية الثانية قبل الميلاد لتحديد"التراث الفعليّ" للهند. ويحرص هؤلاء أيضاً على توظيف ملحمة الرامايانا"Ramayana العظيمة لأغراض كثيرة مختلفة، وهذا ماجعلهم يوجدون التبريرات السردية المزعومة لهدم أحد المساجد بالقوة "مسجد بابريBabri حيث زُعِمَ أنَّه واقع فوق بقعة أرض"ولد فيها النبي" راما. في حين يعد دعاة الاندماج والذوبان في البوتقة الهندية إلى عد التقهقر نحو الهند القديمة أمرًا مثيرًا لمقدار هائل من الريبة. و ويشككون بالطابع الطائفيّ لتفضيل "الكلاسيكيات الهندوسية" على النتاجات الأخرى لتاريخ الهند الطويل والمتنوع.

يرى آمارتا سن أنَّه رغم تشكيك دعاة الهند العلمانية بالكلاسيكيات الهندوسية وأثرها في تشكيل الهوية الهندية، إلا أنَّ هذه الكتب والسرديات القديمة كانت ذات تأثير كبير جدًا على الأدب والفكر الهنديين؛ فحين أقدم حكام البنغال المسلمون من باتان ترتيبًا على اجتراح ترجمات بنغالية جيدة لملاحم المهابهاراتا والرامايانا السنسيكريتية في القرن الرابع عشر الميلاديّ فإنَّ حماستهم للملاحم الهندية القديمة لم تكن تعكس أيّ اعتناق للهندوسية، بل عشقًا للثقافة. هذا الكتاب البالغ الأهمية ترجمته هيئة البحرين للثقافة والآثار ضمن مشروع "منتدى المعارف" الذي يشرف عليه عالم الاجتماع التونسيّ الطاهر لبيب، ومن ترجمة فاضل جتكر، ومراجعة د.سمية المستيري.