المنتخب السوري بالابيض في إحدى مباريات كأس آسيا.(أرشيف)
المنتخب السوري بالابيض في إحدى مباريات كأس آسيا.(أرشيف)
الجمعة 18 يناير 2019 / 21:19

الحوار والناقة

صدمنا السوريون، لأننا لا نتخيّل أنفسنا في يوم ما نحيل دماء الوطن التي تجري في داخلنا إلى ماء –كما يقول المثل الخليجي الآخر-، فنتمنى له الهزيمة والفشل والذلة، حتى وإن كانت الحرب بين 22 رجلاً يرتدون الشورت ويعدون خلف كرة من الجلد المنفوخ

لدينا مقولةُ إماراتية مريبة تنص على أن "الحوار ما تضرّه دوسة أمه". أو، ابن الناقة لا يتألم لدعسها عليه. ولا أدري من قرر ذلك بالنيابة عن هذا الطفل المسكين!

إنها إحدى تلك الأمثال التي تحثنا بشكل غير مباشر على غض النظر عما يحدث بين الداعس والمدعوس، فما قد يبدو لنا كأذى ليس إلا تأديباً وتهذيباً لن يضر متلقيه.

ولكن ماذا لو أن المقولة تدعونا كذلك إلى عدم التدخّل في ردة فعل هذا الحوار، وغض النظر عن قبح "العضة" التي قد يكافئ بها أمه عقوقاً وعصياناً؟

اسمحوا لي بأن أجرّكم قليلاً إلى عالم كرة القدم الذي أقطن على هامشه، حيث صارت الجماهير السورية المعارضة للنظام حديثاً للشارع الرياضي العربي بسبب رفضها لتشجيع منتخب نسور قاسيون -أو "منتخب البراميل" كما تلقبه تحبباً- منذ انطلاق بطولة كأس آسيا.

بل إن وسائل التواصل الاجتماعي غصّت بصورة ذلك المشجع السوري الجريء الذي وقف بين مشجعي أستراليا مرتدياً علم الثورة، وحاملاً "كنغرهم" الشهير، فيما راح يحتفل بانتصارهم، وإقصائهم لعمر السومة ورفاقه من البطولة.

ولم يلتزم الشارع الرياضي العربي الحياد حيال زعل هذا الحوار من أمه، والتي يعتقد أنها أشبعته دعساً منذ بدء 2011، حتى هرست أعضاءه وأطرافه.

بالطبع، إنه مشهد شاذ وغريب بالنسبة لنا جميعاً. لا يفهم أغلبنا لم على الحوار أن يكون بهذا الغضب والحقد تجاه تلك التي تفضّلت عليه بمنحه الحياة، وكيف عساه أن يبادل قسوة أمه –مهما كانت مفرطة- بالشماتة العلنية، والتطاول، والاصطفاف مع الأعداء.

صدمنا السوريون، لأننا لا نتخيّل أنفسنا في يوم ما نحيل دماء الوطن التي تجري في داخلنا إلى ماء –كما يقول المثل الخليجي الآخر-، فنتمنى له الهزيمة والفشل والذلة، حتى وإن كانت الحرب بين 22 رجلاً يرتدون الشورت ويعدون خلف كرة من الجلد المنفوخ. صدمنا السوريون، فانتفضنا كالمصابين بالحمى لنزايد على وطنيتهم، وانتماءهم، وشرفهم، ومحبتهم لتلك الأرض المدعوة سوريا.

إنها صدمة بالغة ومحيرة. هزّت وجداننا أحياناً في شكل مشجع كروي ساخر من منتخب بلاده، وأحياناً أخرى في شكل لاجئة تواجه الميكروفونات الغربية لتنتقد وضع المرأة في بلادها الخليجية البعيدة، وهلم جرا.

وتساءلنا في كل مرة لماذا لم يختر "الحوار" الستر، أو حتى أن يتصارع مع أمه بعيداً عن أعين الشامتين، والحاقدين، والمحترفين في تسييس القضايا الإنسانية لصالحهم، فالظفر لا يخرج من اللحم، كما يصرّ مثل خليجي ثالث.

لا أدري. فليست كل الأمور تُصبغ بالأسود والأبيض الواضحين.

لكن دعوني أؤكد لكم على الأقل أن نزولنا من أبراجنا العاجية لنهجم على الحوار، ونسمه بعدم الانتماء والوطنية، وضياع الشرف والمروءة، لن يعيده بدوره إلى حضن أمه. أوليس يقول المثل الخليجي الآخر بأن من يضع يده في الماء ليس كمن يضعها في النار؟