الأحد 20 يناير 2019 / 19:11

رهانات صريحة وواضحة

لم تكن رهانات القوى الفاعلة في الحقلين السياسيين الفلسطيني والإسرائيلي واضحة وصريحة كما هي الآن. فكلمة السر التي تفسِّر وتُبرر الكثير مما يبدو للوهلة الأولى غامضاً وملتبساً هي البقاء. ولدلالة البقاء، هنا، تداعيات فردية وفئوية في الغالب، حتى وإن موّهت حقيقة المصالح الضيّقة بقناع المصلحة الوطنية العامّة.

ولنضع مواطن الخلل في بنية النظام السياسي الفلسطيني، وتدهوره غير المسبوق جانباً، فهو لا يشكو ندرة التحليلات والتعليقات في المنابر الإعلامية والسياسية. ولنفكِّر في المشهد السياسي الإسرائيلي الذي يُمكن اختزاله في حرب البقاء التي يخوضها بنيامين نتانياهو، للبقاء في سدة الحكم، فمستقبله السياسي مشروط بنتائجها. ولأمر كهذا تداعيات مباشرة تمس مستقبل الليكود كحزب للأغلبية في إسرائيل.

والمفارقة، في هذا الشأن، أن مستقبله أصبح مشروطاً، ضمن أمور أخرى، بمدى نجاحه في التوصّل إلى تفاهمات مشتركة مع حماس. فمستقبل السلطة الفلسطينية، أو "عملية السلام" لا يحظى بمكانة مرموقة على سلّم أولوياته، عشيّة الانتخابات القادمة في إسرائيل، ولكن عقد صفقة لتبادل الأسرى مع حماس يُمكن أن يُكسبه المزيد من الأصوات، ويُسهم في تعزيز مكانته لدى الناخبين.

ولنحتفظ في الذهن بحقيقة أن هذه المكانة تضررت في الآونة الأخيرة نتيجة سلسلة متلاحقة من الفضائح، التي ذاعت آخرها على الملأ، قبل أيام، عندما فتحت الشرطة تحقيقاً في السلك القضائي، الذي اتضح أن سلّم الترقيات فيه تأثر بتقديم خدمات جنسية مقابل الحصول على الوظيفة. وهناك، بطبيعة الحال، مسألة تقديمه للمحاكمة بتهمة الرشوة، التي سيحسمها قرار النائب العام، ونتائجها السياسية فادحة، خاصة عشيّة الانتخابات.

لذا، على خلفية كهذه، ومع تفاصيل كثيرة، يكتسب خبر نقلته جريدة هآرتس الإسرائيلية يوم أمس، السبت، عن جريدة قطرية تصدر في لندن، دلالة إضافية. خلاصة الخبر أن ثمة اتصالات سريّة بين إسرائيل وحماس لتحريك ملف الأسرى، وأن أطرافاً إقليمية ودولية تقوم بالوساطة.

وإذا افترضنا، جدلاً، أن صفقة كهذه تمت عشيّة الانتخابات فإن فيها ما يمثل مكسباً لنتانياهو وحماس في وقت واحد: يمكن للأول تقديم نجاحه في استعادة أسرى إسرائيليين، وبقايا جثث، لدى حماس، كإنجاز يحظى بشعبية واسعة في أوساط الناخبين، ويمكن لحماس الحصول على مكسب معنوي وسياسي كبيرين في حالها نجاحها في تحرير أسرى فلسطينيين من السجون الإسرائيلية.

ولنفكّر في حقيقة أن حدة المظاهرات، وكذلك الهدوء أو التصعيد، على الحد الفاصل بين غزة وإسرائيل، شكل من أشكال التفاوض، وأن هذا وثيق الصلة بصفقة تبادل الأسرى، أيضاً. وكما في كل أنواع المفاوضات فإن تبادل الأسرى يمثل الجانب البادي للعيان من الصفقة، وفي الثنايا قضايا لا تقل أهمية عنها، وربما تفوقها في حالات كثيرة.

وبهذا المعنى، فإن حماس، التي تصارع من أجل البقاء، تراهن في صفقة محتملة لتبادل الأسرى على إمكانية الحصول على منفذ بحري، يحررها من معبر رفح، وتسهيلات تجارية ومالية، في ظل الكارثة الإنسانية التي يعيشها الناس في غزة، ناهيك عن إضافة المكسب المعنوي والسياسي إلى رصيدها في صراعها مع السلطة الفلسطينية.

وفي سياق كهذا، لا يبدو من قبيل المجازفة القول: إن "المنحة" القطرية، التي قيل إنها لمدة ستة أشهر، وتتمثل في إدخال 15 مليون دولار شهرياً إلى حماس في غزة، عن طريق إسرائيل، هي الفترة التي تراهن أطراف إقليمية ودولية عليها، للتفاوض بشأن صفقة تبادل الأسرى، وما في ثناياها من تفاصيل إضافية.

وثمة هنا ما يبرر التساؤل: هل في مفاوضات وتفاهمات كهذه، ما يوحي بتحقيق مصلحة عامة تتجاوز المصلحة الفردية للطرفين، أم أن فيهما ما يعزز من دلالة وحقيقة أن رهانات القوى الفاعلة في الحقلين السياسيين الإسرائيلي والفلسطيني لم تكن صريحة وواضحة في يوم من الأيام كما هي الآن؟