شعارات مواقع التواصل الاجتماعي (أرشيف)
شعارات مواقع التواصل الاجتماعي (أرشيف)
الجمعة 25 يناير 2019 / 18:34

النمو في الظل

لست مخولة بأن أحدد لأولياء الأمور كم هو القدر المسموح به من انتهاك خصوصية أبنائهم من أجل "الريتويت" و"اللايك"، أو حتى المشاركة البريئة

لا يكفي أن أمتلك جهاز محو الذاكرة من سلسلة أفلام "بلاك مِن"، بل وأحتاج آلة السفر عبر الزمن أيضاً لأحاسب أولئك الذين شهدوا حماقات طفولتي بالجودة العالية، والبث المباشر.
  
من أين أبدأ؟ هل من نسختي المشوهة من أغنية "عبرت الشط" لكاظم الساهر، حيث كنت أغنيها بصوتي النشاز؟ أم من شجاعتي في تسلق سلالم لعبة "الزحليقة" التي ارتعب من فكرة التزحلق نحو المجهول فور جلوسي عليها، وأشرع في البكاء معطلة الأطفال من خلفي؟

ثم كبرت قليلاً لأتوهم بأني عبقرية في علوم الحاسوب، بسبب قدرتي الرهيبة على استخدام الطابعة، وولوج المنتديات. وسرعان ما تخليت عن تلك الفكرة، لأقتنع بأن مستقبلي هو في الدوري الأمريكي لكرة السلة، فلا بد من ارتداء بناطيل الجينز المتسعة، وإنزالها إنشات قليلة عن خصري على غرار أفراد العصابات.

ثم هداني الله إلى أن سلاحي هو القلم. ولكن ككل العصاة، اتجهت إلى كتابة أغاني الراب الرديئة والملوثة بالكلمات النابية، وتأديتها أمام أصدقائي. وحينما تبت عن ذلك العته خلال أعوام قليلة، شرعت في كتابة شعر التفعيلة لاعتقادي أني ببراعة محمود درويش.. على أقل تقدير.

ولا أعلم لم شاطرتكم كل هذه "الفضائح"، غالباً لأنها جرت تحت غطاء من الستر الإلهي المتين. فما دُوّن أو حُفظ منها مودع في أشرطة الفيديو النادرة، أو ألبومات الصور العتيقة. وما يجلب العار تم التخلص منه حرقاً وقطعاً، ومن الممكن التخلص من الشهود القلائل عليه أيضاً.

لقد عاشت أجيالنا في نعمة يجهلها ريّان، وهو ابن "الفاشينيستا الخليجية" التي ارتأت أن تبلغه بنبأ وفاة والدتها أمام الكاميرا، فتنشر بكاءه المر أمام آلاف المتفرجين.

وأتفق، بالطبع، مع جميع الانتقادات الحادة التي طالت "الفاشينيستا فينيسيا" إذ أقدمت على اختراق خصوصية طفلها، و"تسليع" أسوأ لحظات حياته.
ولكن من غير المنصف بأن أجيالنا المحظوظة، والتي تسنى لها أن تتقلب بين أغرب المراحل العمرية، وتحبو نحو أعتى الحماقات والأخطاء، دون أن تتعرّض لأحكام الغرباء عليها، باتت تعتقد أن الخلل هو فقط في تصوير "فينيسيا" للحظات انهيار ابنها حزناً!

ألا يمتلك نفس الأحقية التي حظينا بها في التحفّظ على لحظات ضحكه الهستيري؟ وتساؤلاته الذكية؟ وأحلامه ومواهبه؟ ماذا لو لم يكن يرغب في أن يعرف العالم بأنه فقد وأخيراً سنه الأمامية؟ أو بأنه نظّم حفلاً لعيد ميلاده؟ ماذا لو لم يرغب في أن يشاطر الآخرين أصدقاءه، وعائلته، ويومياته، وألعابه السرية؟

ألا يحق حتى لأسعد الأطفال وأكثرهم اتزاناً أن ينمو في الظل كما فعلنا؟

لست مخولة بأن أحدد لأولياء الأمور كم هو القدر المسموح به من انتهاك خصوصية أبنائهم من أجل "الريتويت" و"اللايك"، أو حتى المشاركة البريئة في سبيل المشاركة. يكفيني ذعراً أن أدرك أننا بتنا نساومهم أصلاً على خصوصيتهم!