انفجار سابق لأنبوب نقل الغاز المصري في سيناء (أرشيف)
انفجار سابق لأنبوب نقل الغاز المصري في سيناء (أرشيف)
السبت 26 يناير 2019 / 18:11

استهداف الإرهاب للغاز المصري .. الدوافع والتطورات

بعد ثورة 25 يناير 2011 المجيدة، التي حلت أمس الجمعة، ذكراها الثامنة، توالت وقائع ضرب الأنبوب الذي كان يمد الأردن وإسرائيل بالغاز الطبيعي، وفق اتفاقيتي تعاون أبرمتها مصر مع عمَّان وتل أبيب. ولم تتهم السلطات الرسمية في البداية طرفاً بعينه، لكنها لم تلبث أن بينت اشتباهها بضلوع ما تسمى جماعة "أنصار بيت المقدس" المقربة من تنظيم القاعدة الإرهابي في التفجيرات المتوالية للأنبوب.

وفي تاريخ استهداف الجماعات المتطرفة لوسائط نقل الطاقة من نفط وغاز طبيعي، كان هذا الأنبوب هو الأكثر تعرضاً للتفجير، حيث تم تفجيره 30 مرة في أربع سنوات تقريبا، على النحو التالي:

1 ـ سنة 2011: بينما كانت ثورة يناير على أشدها، والمصريون محتشدون في الميادين، اشتعلت النيران في الأنبوب، ووقع انفجار مدو، وارتفعت ألسنة اللهب في عنان السماء. وتكرر المشهد نفسه في 27 إبريل 2011، ثم وقع مرتين في شهر يوليو اللاحق، وآخر في 26 سبتمبر، وهو إن لم يكن مختلفا في الطريقة عما سبقه، فإنه اختلف في المعلومة التي رشحت حين قال شهود عيان إنهم شاهدوا ثلاثة رجال يطلقون النار على الأنبوب من فوق متن شاحنة. وهدأ الأمر في الشهر اللاحق ليواصل طريقه في نوفمبر الذي شهد تفجيرين للأنبوب، ولم يلملم 2011 أوراقه إلا بحادث جديد مماثل وقع في 24 ديسمبر.

2 ـ سنة 2012: في الخامس من شهر فبراير فجر ملثمون خط الغاز عند نقطة تبعد ثمانية كيلومترات عن العريش. وفي السادس من الشهر الذي يليه، تجدد التفجير، وكذلك في التاسع من إبريل. وفي هذه المرة جاءت إفادة من شهود عيان أن رجالاً ملثمين حفروا حفرة عند الأنبوب على مقربة من مدينة العريش أيضاً، وملأوها بمتفجرات، ليتم تفعليها عن بعد. ومر شهران دون تفجير، لكنه لم يلبث أن عاد في 22 يوليو، بينما كانت قد مرت ثلاثة أسابيع على رئاسة محمد مرسي الذي ينتمي لجماعة "الإخوان". وتكرر الأمر في 25 نوفمبر، حيث وضع مجهولون، وفق مصدر أمني مصري، عبوات ناسفة شديدة الانفجار أسفل مبنى تحت الإنشاء للشرطة مخصص لمبيت جنود حراسة لخط الغاز المتجه إلى الأردن، حيث استهدف المبنى قبل استكماله، وأصيب في الحادث أربعة منهم.

3 ـ سنة 2013: مر النصف الأول من هذا العام بلا تفجير للأنبوب، ثم عاد بعد أربعة أيام من إسقاط حكم الإخوان. ففي السابع من يوليو وقع تفجير، تبعه آخر في 23 من الشهر نفسه، بفعل هجوم مسلحين وفق شهود عيان على خط الغاز الذاهب إلى الأردن، فيما أطلق مسلحون النار على الخط الذاهب إلى إسرائيل، والذي كان متوقفاً بالفعل منذ تفجيره في إبريل من عام 2012. ولا يمكن في هذا المقام إهمال التهديد الذي أطلقه القيادي الإخواني محمد البلتاجي من قلب اعتصام أنصار الجماعة في "ميدان رابعة العدوية" بالقاهرة حين قال: "ما يحدث في سيناء سيتوقف فوراً إذا قام الفريق أول عبد الفتاح السياسي بالتراجع عن الانقلاب". وفي 15 سبتمبر من العام نفسه وقع انفجار بعبوة بدائية بمحطة أمام شركة جاسكو بمدينة الإسماعيلية على قناة السويس، وهي الشركة التي تمتلك الخط الذي يمد الأردن بالغاز المصري.

4 ـ سنة 2014: في اليوم الأول من هذا العام قام خمسة من الملثمين بتفجير خط الغاز بسيناء، ليظهر، وللمرة الأولى، طرفاً يتبني العملية، وهو ما تسمى "جماعة أنصار بيت المقدس" التي تقوم بعمليات إرهابية متواصلة ضد قوات الجيش والشرطة في سيناء، وبعض عمليات نفذتها في الوادي والدلتا. وبعد أسبوعين تقريباً، وقع تفجير آخر بواسطة قذائف "آر. بي. جي" للأنبوب بمنطقة خالية، ليتكرر في 28 يناير، حيث انفجر خط أنبوب متجه إلى طابا جنوب سيناء عند منطقة المقضبة على طريق أبو عجيلة التي تبعد 30 كيلومترا من مدينة العريش.

وفي 26 فبراير فجر مجهولون الخط نفسه، فيما كانت قوات الجيش قد أحبطت محاولة لتفجير الأنبوب المغذي لمصانع أسمنت تابعة للقوات المسلحة. وبعد أسبوع واحد فجر مجهولون أيضاً غرفة خط الغاز الدائري بورسعيد ــ دمياط. وفي 26 مارس تم تفجير الخط الذاهب إلى الأردن بمنطقة بئر الحفن جنوب العريش، وسط إطلاق نار مكثف. وفي 19 مايو فجر مسلحون الخط نفسه، وفي 11 أغسطس انفجر خط الغاز الطبيعي الاحتياطي بمدينة العاشر من رمضان قرب القاهرة إثر زرع عبوة ناسفة إلى جانبه.

وفي 15 سبتمبر وقع انفجار مدو عند الكيلو 62 بطريق القاهرة الإسماعيلية الصحراوى، أمام مدينة العاشر من رمضان، بينما تمكنت قوات الأمن من الكشف عن قنبلة أخرى، تم إبطالها قبل انفجارها. وفي 15 أكتوبر فجر مجهولون خط الغاز الذاهب إلى الأردن بمنطقة "القريعة" جنوب شرق العريش. وفي 27 نوفمبر انفجر خط الغاز الطبيعى الرئيسى بمدينة العاشر من رمضان. وكان آخر انفجار استهدف الغاز في ذلك العام قد وقع يوم 23 ديسمبر 2014 ونفذه مجموعة مسلحة تابعة لتنظيم أنصار بيت المقدس الإرهابي.

5 ـ سنة 2015: وقع أول حادث في ذلك العام يوم 17 يناير، حيث اندلعت نيران في خط الغاز بمنطقة منشية دهشور، لكن قوات الدفاع المدني تمكنت من السيطرة عليه. وبعد يومين فقط أعلنت "جماعة أنصار بيت المقدس" الإرهابية مسؤوليتها عن تفجير خط الغاز المؤدي إلى الأردن، ناشرة على "تويتر" صورًا للتفجير وسط تأكيدها أن التفجير يأتي ردًا على مشاركة الأردن في قصف تنظيم "داعش" في سوريا والعراق.

وفي 25 يناير شهدت مدينة العاشر من رمضان، مجموعة من الأعمال التخريبية، في خط الغاز الرئيسي وعدد من محولات الكهرباء وأتوبيسات شرق الدلتا. وفي 3 فبراير فجر مسلحون مجهولون، خط الغاز المار بمنطقة الطويل جنوب شرق مدينة العريش عبر وضع عبوات ناسفة أسفله. وفي 8 فبراير وقع انفجار للخط الذاهب إلى الأردن في منطقة الطويل. وفي 31 مايو وقع انفجار غرب مدينة العريش للخط الذي يصل إلى المنطقة الصناعية بوسط سيناء.

وقد كانت مصر تبيع الغاز لإسرائيل بموجب عقد مدته 20 عاماً لكن الاتفاق إنهار في 2012، إثر هجمات متكررة على الخط في شبه جزيرة سيناء المصرية ليتوقف العمل به منذ ذلك الحين، وتقاضي شركة غاز "شرق المتوسط" الحكومة المصرية للحصول على تعويضات.
واستهداف الإرهابيين لأنبوب نقل الغاز في سيناء يضاف إلى دلائل أخرى على أن الجيش وقوات الأمن المصرية، وعلى العكس مما جرى أيام الموجة الرابعة للإرهاب التي شهدها البلاد طيلة ثمانية سنوات امتدت من 1989 إلى 1997، لم تعد تواجه تنظيمات محلية، ذات إمكانيات محدودة، إنما تنظيم يأتيه المدد من كل مكان، وموظف في استراتيجيات أكبر من أن يعيها أفراده، الذين يتوهمون أنهم يجاهدون في سبيل الله.

فالإرهاب لم يعد له مكان ولا جنسية أو هوية محددة، إنما تمكن من أن يسيح في الأرض، ويتعولم، موظفا كل الإمكانيات التي أتاحتها العولمة، بدءاً من الاتصالات وانتهاء بفنون صناعة السلاح ووضع التكتيكات القتالية للجماعات والتنظيمات المسلحة التي تمارس نمطا من حرب العصابات، وبوسعها أن تصبح جزءاً من تكتيكات دول، بل استراتيجياتها في الإيذاء الاقتصادي لدول أخرى، وبذلك تأتي المنشآت النفطية وأنابيب نقل الطاقة في مقدمة الأهداف التي تسعى إلى تدميرها.

ومن المعروف أن الذين يحملون السلاح في وجه الجيش وقوات الأمن المصرية في شمال سيناء لا ينحدرون من مكان واحد، ولا يحملون جنسية واحدة، وما ينطبق على من تجمعوا في الجزء الذي كان قد تم اقتطاعه من سورية والعراق تحت راية "داعش" بزعم أنه يمثل أرض الخلافة، ينطبق إلى حد عميق على من ذهبوا إلى سيناء في لحظة اضطراب وارتباك كانت مصر تمر بها، حيث جاءوا من أماكن عدة.

فهناك الذين تقاطروا من ليبيا خلسة، بعد أن سقطت سلطة القذافي، ولم يقتصروا على الليبين فقط، إنما جماعات إرهابية وتكفيرية موجودة في بلدان عربية شمال أفريقيا وجنوب الصحراء الكبرى، بعضها كان قد دفع أفراده إلى الساحة الليبية بدعوى أنها صارت أرضا للجهاد. وهناك الذين جاءوا من أماكن أخرى، بعضهم تسلل عبر الأنفاق من غزة إلى مصر، وبعضهم دخل من دول مجاورة لمصر، وتسلل من صحرائها الشرقية، وعبر خليج السويس إلى جنوب سيناء، وكان ينتظره من اصطحبوه إلى وسطها، حيث الجبال الوعرة، ومنه إلى الشمال، حيث البؤرة الساخنة الممتدة من رفح شرقا حتى العريش غربا.

لكن هؤلاء الوافدين من القتلة لم ينزلوا بأرض خالية من المتطرفين، فمن المعروف أن سيناء، بشمالها وجنوبها، كان ينشط فيها تنظيم محلي متطرف يسمى "التوحيد والجهاد"، قام بثلاث عمليات إرهابية كبرى ضد منشآت سياحية في طابا وشرم الشيخ ودهب، على التوالي، خلال أعوام 2005 و2006 و2007، وشرعت الدولة المصرية وقتها في محاولات لمواجهة أمنية صارمة ضد عناصر التنظيم، لكنها لم تفلح في اجتثاثه، نظراً لعوامل عديدة معقدة، في مطلعها أن بعض هؤلاء هم من أبناء القبائل، شأنهم في هذا شأن أبناء الأسر والعائلات من المتطرفين والإرهابيين في وادي مصر ودلتاها. لكن يلاحظ طيلة سنوات ما قبل ثورة يناير أن خط الغاز لم يكن مستهدفاً.

ومنذ أن بدأ الجيش المصري ما أسماها بـ"العملية الشاملة" في شهر فبراير 2018 للقضاء على المتشددين الموالين لداعش والتي يشارك فيها آلاف من قوات الشرطة والجيش بدعم من الأسلحة الثقيلة والقوات الجوية، أخذت العمليات ضد أنابيب الغاز في سيناء في التراجع حتى توقفت. فقوات الجيش قتلت مئات من الدواعش، بينما استشهد من صفوفها عشرات الجنود والضباط، لكن يبدو أن أعداد الإرهابيين، سواء من جاءوا من الخارج أو من العناصر المحلية، ليست بالقليلة، إذ إن العمليات لا تزال متواصلة، ولم يستسلم الإرهابيون، وإن كانت قدرتهم على القيام بعمليات نوعية موجعة قد تراجعت قياسا إلى ما كان قبل انطلاق هذه العملية، ولم يعد أحد يسمع عن تفجير أنبوب الغاز الذاهب إلى الأردن أو ذلك الذاهب إلى إسرائيل.

لكن استهداف هذين الأنبوبين في المستقبل وراد، فما يجري في سيناء ليس استثناء في أحداث شهدتها العديد من البلدان الإسلامية نازلت فيها الجيوش النظامية جماعات إرهابية مسلحة بمعدات متقدمة، وهو في معناه ومبناه يقدم مثلاً واضحاً على الطريقة التي يتجمع بها الإرهابيون، وعلى عدتهم وعتادهم، وقدراتهم على القتال، والقنوات السرية الممتدة بينهم وأطراف خارجية تغذيهم من أجل تحقيق مصالحها، التي لا يعرف صغار المقاتلين في الجماعات الإرهابية شيئا عنها، ولعل الغاز، كسلعة استراتيجية، واحداً من الأهداف المهمة في الصراع بين الدول.