من اليمين، رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري ورئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الجمهورية ميشال عون (أرشيف)
من اليمين، رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري ورئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الجمهورية ميشال عون (أرشيف)
الإثنين 28 يناير 2019 / 17:56

حرب الطوائف على نفسها

ما انتهت إليه الحرب الأهلية هو سيطرة الجماعات الأهلية على الدولة، ومنذ ذلك الحين لم تعد الدولة فوق الطوائف، ولم تعد حتى موجودة كتوسيط بين الجماعات اللبنانية، ولم تعد موجودة كمركز منفصل نسبياً عن الطوائف

في ندوة في تلفزيون "الجديد" اللبناني، قال النائب هادي حبيش، إن العلة هي في الثغرات الدستورية التي لا تلزم النائب بالحضور، وتسمح له بالتحايل على القانون، وتجعل الحكومة ملزمة بتمثيل الجماعات اللبنانية، بحسب اختيارها. لم يكن هذا رأي دكتور حبيب فياض الذي قال إن الثغرات الدستورية نتائج لا أسباب، وأن العلة هي في الطائفية والفساد. كان فياض يرى أن العودة في الحل إلى "لقاء الطائف" الذي أوصى بلجنة لمعالجة الطائفية والتخفيف التدريجي من طغيانها على النظام اللبناني، كما أوصى بمجلس للشيوخ مقابل مجلس النواب. الإلتزام بنتائج الطائف هو أول السبيل إلى معالجة الطائفية التي أفضت الى إمضاء سنين متصلة من الفراغ السياسي إلى أن أمكن انتخاب رئيس الجمهورية، وها هي شهور متصلة تصل إلى الثمانية، انقضت، ولا يبدو أن هناك أملاً بتأليف الوزارة. الدولة مشلولة وما من مخرج، وفي وسع أي طائفة، أو جناح من طائفة أن يبقيها مشلولة.

كان واضحاً أن الحرب اللبنانية الأهلية هي حرب طوائف. كان "لقاء الطائف" متنبهاً الى ذلك، لذا أشار بلجنة لمعالجة الطائفية، لكن سياق الأمور، لم يكن في هذا الاتجاه، فحرب الطوائف استمرت ولو بأشكال مختلفة. إن ما انتهت اليه الحرب الأهلية هو سيطرة الجماعات الأهلية على الدولة. منذ ذلك الحين لم تعد الدولة فوق الطوائف، ولم تعد حتى موجودة كتوسيط بين الجماعات اللبنانية، ولم تعد موجودة، كمركز منفصل نسبياً عن الطوائف. بالعكس صارت الميثاقية "أي الإلتزام بميثاق التعايش اللبناني" تجعل من كل طائفة قادرة على تعطيل الدولة. لا يتم هذا فقط في مناسبات تأليف الحكومة وانتخاب الرئيس، بل يتم وبالدرجة نفسها، في علاقات الحكم وداخل الحكومة، كما يتم بالدرجة نفسها في منصب الرئاسة وعلاقات الرئيس. لقد كانت الحرب الأهلية حرب مناصفة، ثم صارت حرب مساواة بين الجماعات وفروعها. إن الأشهر الثمانية التي انقضت على عدم تأليف الوزارة برضى الرئيسين، رئيس الجمهورية، ورئيس الحكومة تطلعنا بتفاصيلها على أزمة الحكم الحالية.

لم تكن الأزمة سوى نزاع بين الطوائف، نزاع طويل وممتد بدأ بحصر الوزراء الدروز بالتمثيل الجنبلاطي، وحصر السّنة في "المستقبل" مما استتبع لقاء النواب السنة الذين هم خارج المستقبل ومطالبتهم بتمثيل في الوزارة. هكذا انتقلنا من حرب الطوائف إلى الحرب على الطوائف وحرب انفراد بتمثيل الطوائف. لم يطلب الرئيس عون بانفراد بتمثيل الموارنة أو المسيحيين، ولا يمكن رغم الأكثرية العونية المسيحية تجاهل القوات اللبنانية واستبعادها من التمثيل المسيحي، مع ذلك فإن الصراع على تمثيل المسيحيين قام بين أطراف الصراع.

لم يكن إصرار الرئيس الحريري على تمثيل السنة سوى القشة التي قصمت ظهر البعير، فقد انتهت إلى شلل الحكومة بدون أن يبدو أن هناك حل لها. وافق الرئيس على أن يضيف إلى حصته وزيراً من اللقاء السني، لكن جبران باسيل ممثله وصهره رضي بذلك على أن يكون من حصة الرئيس وتابعاً لها. الآن كل شيء مغلق ومشلول، ولا يجد الزعماء اللبنانيون غضاضة في أن يبقى كذلك، وهم يتبادلون في السر والعلن اتهامات بمسؤولية عن هذا الشلل.

المهم أن لبنان يتحول إلى فيدرالية طوائف، بل هو في هذه الحال أبعد من أن يكون دولة، وإذا كان التقسيم لم يعد وارداً فإن الفدرالية قيد التنفيذ وقيد الممارسة، ومن الواضح أننا لسنا أمام دولة، بل نحن أمام نزاع داخل الدولة وعليها، مما يزيد من تفتت الحكم وتفتت الإدارة. بذلك لن يكون الحكم إلا نزاعاً وتلاعباً ودرجة من التفلت ودرجات من التداعي والصدام عند كل خطوة.

هذه المشكلة لا يخوض فيها الشيعة، ليس تعففاً، ولكن لأن ثقلهم في الإدارة اللبنانية وفي الحكم مضمون وقائم، والتحالف الشيعي لذلك متلاحم موحد، فيما الجماعات الأخرى تطمع في أن ترى قوتها في الحكم، فإن القوة الشيعية هي بالتساوي، داخل الحكم وخارج الحكم، ذات تراص ثابت ووحدة ناجزة.