البيت الأبيض.(أرشيف)
البيت الأبيض.(أرشيف)
الإثنين 4 فبراير 2019 / 19:59

أصوليون في البيت الأبيض!

صحيح أن الأصولية الناشطة في منطقتنا هي الأكثر بروزاً بين الأصوليات الفاعلة في العالم، لكن هذا "التفوق الظلامي" لا يعود فقط إلى بشاعة الإرهاب الذي تقترفه الكيانات والتنظيمات الأصولية، بل هو أيضا نتيجة للتركيز الإعلامي على الأصولية في بلادنا وعلى الجرائم التي يقترفها الدواعش والقاعديون، دون غيرها

يتشابه الخطاب الأمريكي في عهد رئاسة دونالد ترامب أحيانا مع الخطاب الرسمي السائد في دول عالمثالثية تخضع لحكم الأصوليات الموغلة في التخلف. وبقدر ما يبدو هذا الخطاب مستفزاً للعالم وللكثير من الأمريكيين في تطرفه وميله للاستقواء بالإمكانات العسكرية والسياسية والاقتصادية للدولة الأعظم، فإنه يبدو صادماً في محاولة الاستقواء بالله لتمرير سياسات ظالمة لخلق الله.

الملفت في هذا الخطاب أن أصحابه مقتنعون حقاً أن الله يبارك خطواتهم، وأنهم الأكثر إيماناً وطاعة للخالق، ولذلك فإنهم دائماً على صواب. ولذلك لم يكن مفاجئاً تصريح المتحدثة باسم البيت الأبيض سارة ساندرز بأن "الله أراد لترامب أن يصبح رئيساً للولايات المتحدة، فصار رئيسا"!

يثبت هذا الخطاب أن الأصولية ظاهرة عابرة للجغرافيا مثلما هي عابرة للهويات الدينية، ويؤكد مرة أخرى أن المسلمين لا يحتكرون هذه الظاهرة الظلامية المتفشية في أرجاء الأرض، وأن هناك الكثيرين من الإرهابيين من أشباه أبو بكر البغدادي وأبو محمد الجولاني ممن يحملون أسماء مختلفة ويعتنقون أصوليات تعتمد القراءات التأويلية للنص الديني.

صحيح أن الأصولية الناشطة في منطقتنا هي الأكثر بروزاً بين الأصوليات الفاعلة في العالم، لكن هذا "التفوق الظلامي" لا يعود فقط إلى بشاعة الإرهاب الذي تقترفه الكيانات والتنظيمات الأصولية، بل هو أيضا نتيجة للتركيز الإعلامي على الأصولية في بلادنا وعلى الجرائم التي يقترفها الدواعش والقاعديون، دون غيرها من الجرائم التي يقترفها الأصوليون الذين يقتلون المسلمين ويحاصرونهم في الصين وميانمار وحتى في كشمير.

وإذا كانت جريمة داعش الأخيرة بتفجير كنيسة فلبينية فعلاً إرهابياً ظلامياً ينبغي إدانته ومعاقبة مقترفيه، فإن هذه الجريمة لا تقل في بشاعتها عن جرائم أخرى شبيهة اقترفها أصوليون يهود ومسيحيون ضد مؤمنين قتلوا في المساجد في بلاد مختلفة، ولا تقل هذه الجريمة الداعشية حقارة عن اقتحام الحرم الإبراهيمي في الخليل وقتل عشرات المصلين فيه برصاص المتطرف اليهودي المقبور باروخ غولدشتاين الذي نفذ جريمته بحماية جيش الاحتلال.

نعود إلى الأصولية الأمريكية التي كانت قبل أكثر من قرن ونصف أصولية عرقية استهدف فيها الأمريكيون إبادة سكان البلاد الأصليين من الهنود الحمر، وتشريد الأقوام الأخرى التي استوطنت في تلك المنطقة كالمكسيكيين الإسبان والصينيين، وكانت هذه الأصولية متكئة في كل حروبها على دعم الكنيسة الإنجيلية والقساوسة الذين لعبوا دوراً كبيراً وخطيراً في التحريض وإشعال الحروب.

وربما تشابه هذا التوجه الكنسي مع بعض تفاصيل الحرب الأهلية في لبنان، حيث حمل نفر من القساوسة السلاح وشاركوا في جرائم الحرب ومن أكبرها جريمة اقتحام مخيم تل الزعتر في أواخر سبعينيات وأوائل ثمانينيات القرن الماضي.

وعلى العكس من التصنيف النمطي الأمريكي والغربي للإرهاب الأصولي في بلادنا واعتبار كل مسلم إرهابياً حتى يثبت العكس، فإن الموقف من "الأب شربل" ورفاقه الانعزاليين لم ينسحب على المسيحيين العرب الذين شاركوا بفعالية في مرحلة النهوض القومي في المنطقة، والمسيحيين اللبنانيين الذين انخرطت أعداد كبيرة منهم في صفوف المقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية، وكانوا وما زالوا يتصدرون المشهد المقاوم في الدفاع عن لبنان وحمايته من الاستهداف الإسرائيلي.

وأخيراً فإن تسييس الدين أو تديين السياسة ليس حكراً على شيوخ الظلام في منطقتنا بل هو ظاهرة ينميها المنتفعون منها في في العالم كله، ومثلما أن لدينا "شيوخاً" يكذبون ويبشرون بالجنة للحصول على الدعم فإن في الغرب أيضاً قساوسة يبشرون بالجنة لجمع التبرعات من المخدوعين، ومن يريد التيقن من هذه الحقيقة يستطيع مشاهدة لقطات اليوتيوب لهؤلاء المشعوذين الذين يتزايدون كثيراً في أمريكا.