وزيرات الحكومة اللبنانية الجديدة بستاني والصفدي وشديق والحسن (أإرشيف)
وزيرات الحكومة اللبنانية الجديدة بستاني والصفدي وشديق والحسن (أإرشيف)
الإثنين 11 فبراير 2019 / 20:19

ما بعد الحكومة

أخيراً تشكلت الوزارة اللبنانية بعد انتظار تسعة أشهر. تسعة أشهر يقف بعدها رئيس الوزارة سعد الحريري ليقول إن الأمر لم يكن ليحتاج الى هذه المدة، وأن التشكيل كان ممكناً في وقت أقصر.

يمكن أن نقول أن نسوية الوزارات والأهمية التي أعطيت لهذه النسوية لا تتناسبان كثيراً مع قانون لا يعطي السيدة اللبنانية حق إعطاء الجنسية لزوجها وابنها، ولا يبدو أن هذه النسوية المستجدة ستقدر على كسر هذا العائق

طوال الأشهر التسعة كانت العقد بادية للجميع والمجتمع كله يعرفها. عقد لا تقوم على أساس سياسي "نظري أو استراتيجي"، اللهم إلا التنازع الذي يكاد أن يكون شخصياً.

هذه هي ثمرة الديمقراطية التوافقية حسب التسمية اللبنانية والتي تعني بناء السلطة من أجنحة متنازعة لا مجال لوفاق حقيقي بينها فأحرى بهم أن يسموها ديمقراطية تنازعية، وبطبيعة الحال لا يمنع تشكيل الوزارة، نشوب حرب خنادق في أي لحظة بين الأجنحة التي تشكلها، وبما أن أجنحة الحكم لم تستهول مرور تسعة أشهر على غياب الوزارة، فلن تستهول نشوب حرب خنادق في أي لحظة.

مع ذلك فإن الوزارة الجديدة لم تمنع عدداً من التجديدات التي لا تندرج بالطبع في وجهة أو في برنامج ورؤية. عمد معظم الأجنحة السياسية إلى الفصل بين الوزارة والنيابة، وإلى اعتماد وزراء كانوا في الغالب شباناً من أبناء النواب أو من الشباب الحزبي. الوزارة هي هكذا ذات سمة شبابية، وبالطبع لا شيء يمكن أن يبنى على هذه الشبابية، وجهة نظر أو تجديداً سياسياً أو حكومياً. الأمر نفسه ينطبق على توزير النساء بحيث ضمت الوزارة الجديدة أربعة وزراء من النساء.

ليس هذا فحسب، بل إن الوزارات التي أسندت اليهن لا توحي بأن توزيرهن كان عرضياً ومن المظاهر فقط، فازت السيدات بوزارة شائكة مثل وزارة الداخلية كما فزن بوزارة دينامية مثل وزارة الطاقة يمكن أن نقول إن نسوية الوزارات والأهمية التي أعطيت لهذه النسوية لا تتناسبان كثيراً مع قانون لا يُعطي السيدة اللبنانية حق إعطاء الجنسية لزوجها وابنها، ولا يبدو أن هذه النسوية المستجدة ستقدر على كسر هذا العائق . الواضح أن وراء هذا المنع أسباباً تتعلق ببنية النظام الطائفية.

إذ لا يضمن أحد في حال منح المرأة اللبنانية حق اعطاء الجنسية لزوجها وابنها، أن حصص الطوائف من هذا التدبير ستكون متساوية.

 فهناك خشية من أن يكون هذا التدبير في صالح السيدات المسلمات وأزواجهن وأبنائهن. ما يزيد الأرجحية المسلمة البادئة منذ فترة، والتي هي مشكلة في الحكم، وفي الأرجح وراء جملة من المسائل التي تتعلق بالحكم وعلاقات السلطة والتحالفات السياسية. إذ لا نستطيع حيال أي من هذه أن نستبعد الخوف من اختلال التوزع الديمغرافي إلى درجة لا علاج لها.

الكلام بعد تأليف الوزارة وهو كلام يكبر بالتدريج ويكاد، يعيد تشكيل الوزارة إلى ما يبدو أحياناً أقرب الى العلاقات الشخصية. فدهاء وزير الخارجية المنتمي الى التيار الوطني الحر بل هو رئيسه كما قدر البعض، وكما بدأت الشائعات تنتشر، قد استطاع أن يسبق أساليب خصومه وأن يمسك زمام اللعبة من رأسها.

 كلام كهذا يوعز بضعف المستقبل ويرشق رئيس الوزارة المكلف سعد الحريري بالضعف في المناورة. هذا الكلام لا يقول أين كان جبران باسيل طوال التسعة أشهر، ولماذا لم يستطيع وهو يمسك زمام المبادرة، كما قيل، أن يقصر المدة.

طبعاً هناك تفسيرات سياسية أكثر توازناً تشير إلى أدوار خارجية تحمل الولايات المتحدة، والمملكة السعودية، وإيران، مسؤولية هذا التأخر المديد، بل أن بعض الآراء تذهب إلى أن تشكيل الوزارة في هذا الوقت يتصل بالانسحاب الأمريكي من سوريا واليمن، بل يتصل من بعيد بأحداث فنزويلا، بل هناك من يربط التعجيل "تسعة أشهر!" بتأليف الوزارة بمعاناة إيران من العقوبات الأمريكية ومشاكلها اليوم.

هكذا يبدو لبنان لمواطنيه وسط التنازع الدولي دون أي إرادة خاصة، ودون قوىً داخلية مما يحصل من تدخل الآخرين، سواءً في حربه أم في سلمه.